الخميس 21 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

الإخوان المسلمون في مصر: رؤى متناقضة تحت مظلة واحدة

الشرق الأوسط 27-5-2005

نشر
عبد الرحيم علي


المتابع لحركة جماعة الإخوان المسلمين على الساحة السياسية المصرية، لا بد أن يرصد حالة الإرتباك التي تمر بها الجماعة، والتي انعكست بشكل واضح على كافة قراراتها، وأهمها تلك المتعلقة بالتصعيد مع نظام الحكم في مصر. فقد لاحظ كافة المراقبين أن هذه القرارات افتقدت الكثير من الحنكة السياسية، وجاءت خالية من أي بعد استراتيجى واتكأت فقط على فهم خاطئ لإشارات غامضة انهمرت على المنطقة بشكل فجائى من كل من أوروبا وأميركا. والظن أن هذه الحالة ناتجة عن وجود منهجين يتصارعان على توجيه الجماعة منذ فترة ليست بالقصيرة.
* مبادرتان ومنهجان 
* إن المقارنة المتأنية بين مبادرة المرشد العام الحالي للجماعة، محمد مهدي عاكف، المعنونة «حول المبادئ العامة للإصلاح في مصر»، ومبادرة عضو مكتب الإرشاد بالجماعة وأحد رموز تيار السبعينات، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، المعنونة «المفهوم الإسلامي للإصلاح الشامل»، تشرح بوضوح ما ذهبت إليه من وجود تيارين ومنهجين يحاولان توجيه الدفة داخل الجماعة مما يحدث حالة الارتباك تلك. يحدد أبو الفتوح مفهومه للإصلاح الشامل بأنه «يدور حول معنى التنمية المستديمة»، الذي يشمل الإنسان والدولة والمجتمع، وتلتف حوله دوائر كثيرة، أهمها دائرة الحرية. والأولوية عند أبو الفتوح تكمن في الحرية، على عكس أولوية الحرس القديم الخاصة بتطبيق الشريعة، وهو ما أثاره المستشار الهضيبي قبل وفاته وما زال الحرس القديم مصرا عليه. ويحدد عبد المنعم أبو الفتوح صور الإصلاح الشامل من المنظور الإسلامي في: إصلاح تعليمي، وإصلاح اقتصادي وإصلاح اجتماعي، وأخيرا الإصلاح السياسي.
وفي ما يتعلق بالإصلاح السياسي يشير أبو الفتوح إلى ضرورة اعتماد مفهوم الدولة المدنية التي تعتمد الديمقراطية أساسا في توجهها السياسي. ويؤكد على وجوب مراعاة عدد من الأسس أهمها:
1 ـ المواطنة كأساس للوجود في المجتمع.
2 ـ النظام الديمقراطي النيابي (برلمان وأحزاب وتعددية كاملة) كأكثر الصيغ فعالية لحماية الحرية.
3 ـ إعلاء شأن الأمة على شأن الدولة.
4 ـ المساواة السياسية والقانونية الكاملة بين كل فئات المجتمع وطوائفه.
أفكار مغايرة:
وقد تميزت رسائل وأدبيات جماعة «الإخوان المسلمين»، على مدار تاريخها، ومنذ رسائل الإمام الأول، حسن البنا، بدرجة من العمومية، وعدم الوضوح. ولكننا (مع أبو الفتوح ومبادرته ورغم كل تحفظاتنا) أمام أفكار واضحة ولغة أوضح، قوامهما معا الاستقامة، فهو يحرص على التأكيد على معان وقضايا طالما مثلت «إشكالية» كبيرة في التعاطي مع فكر الإخوان المسلمين، فهو يؤكد على سبيل المثال على أن «خطاب الإصلاح الإسلامي خطاب بشري، وليس خطابا مقدساً، اجتهاد في فهم النصوص، وبالتالي فمن يختلف معنا، فهو يختلف مع فهمنا، ولا يختلف مع الإسلام».
* مبادرة المرشد العام والنبرة الدينية 
* النبرة الدينية لا تعلو في مبادرة الدكتور عبد المنعم، ذلك أنه يقدم خطابا سياسيا، ولكن في المقابل يسعى مهدي عاكف، مرشد الجماعة إلى تقديم خطاب دعوي قديم في ثوب سياسي عصري جديد، ومن هنا تتسم مبادرته بالازدواجية، وتزدحم بالكثير من المفارقات والتناقضات. المقدمة طويلة ذات لغة إنشائية خطابية، والحرص واضح على الاستشهاد بالقرآن والسنة، وثمة محطات مهمة في المبادرة جديرة بالاهتمام والاختلاف، فهو يطالب بتنقية أجهزة الإعلام من كل ما يتعارض مع أحكام الإسلام ومقتضيات الخلق القويم! ويدعو إلى تعديل القوانين وتنقيتها بما يؤدي إلى تطابقها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، إعمالاً لنص المادة الثانية من الدستور. والمبدأ الأول في الإصلاح الاقتصادي عنده: «اعتبار المال الصالح قوام الحياة، ووجوب الحرص عليه، مع تحريم وتجريم الربا كمصدر للتمويل أو الكسب». وفى مجال الإصلاح الاجتماعي، يتمثل المبدأ الأول في تحقيق الربانية والتدين في المجتمع! وعلى الرغم من الانتصار النسبي للمرأة وقضاياها، فإن بعض أفكاره ومفرداته اللغوية تقود إلى الجانب الآخر، فهو يدعو إلى «توليها الوظائف العامة عدا الإمامة الكبرى وما في حكمها»، الأمر الذي يدخلنا في جدل عقيم حول ماهية الإمامة العظمى وما هو حكمها، ويفتح المجال واسعا أمام تفسيرات عديدة تنتهى بنا إلى لزوم المرأة لمنزلها مدى الحياة.
وعلى الصعيد الثقافي، يكشف المرشد العام عن عدائه للثقافة، فهي عنده «أداة دينية تهذيبية لمقارنة الفواحش والبذاءات، ولا بد من: ترشيد دور السينما والمسرح، بما يتفق ومبادئ وقيم الإسلام».
* الموقف من السلطة والرؤى العملية 
* ولا يقف المشهد عند ما ذكرنا من فوارق بين الحرس القديم ومن يمثلهم، وجيل السبعينات ومن يقف معهم، وإنما يمتد ليشمل مواقف ورؤى أخرى، يظهر هذا الأمر بوضوح في ما يتعلق بالموقف من السلطة، الذي يشكل علامة فارقة في منهج الجماعة، فبينما يرى مهدى عاكف، في حوار أجريناه معه، أن الظروف مواتية تماما (دوليا وإقليميا ومحليا) لوصول الإخوان إلى السلطة في مصر، وانطلاقا من هذا التصور دفع بعشرات الآلاف من أبناء الجماعة إلى الشوارع في مظاهرات لاستعراض القوة، وهدد بالعصيان المدنى، يختلف الأمر جذريا عند مختار نوح، فهو يرى أن من مصلحة الجماعة تأييد الرئيس حسني مبارك في الانتخابات القادمة انطلاقا من تقوية أسهمه في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها، والتي يمكن أن تؤدي في حال الضغط عليه داخليا إلى تقديم تنازلات تسبب خسارة كبيرة للوطن في النهاية. ويؤمن نوح بأن حل الأزمة المزمنة بين النظام والجماعة يكمن في واقع يقوم على التراضي، وليس انتزاع شكل قانوني، فالواقع لدينا أهم من الشكل، فيحدث أحيانا أن يكون هناك شكل حزبي قانوني، ولكن على الجانب الآخر هناك واقع تصادمي مع هذا الحزب (الشكل القانوني). وفي دول العالم الثالث ينتصر الواقع ويغلق الحزب; ولذا ينبغي التركيز على الأساس الذي يتيح الحركة وليس الشكل. ويضيف نوح: «أنا لا أريد أن تكون العلاقة بين الإخوان والدولة مركزة على قضية الترخيص أو التصريح بالعمل في إطار قانوني للجماعة، ولكن أريد التركيز على أن يكون هناك واقع تراضٍ ومناخ صحي بين الطرفين، فمع وجود التراضي بدون وجود الشكل القانوني سأضمن البقاء، ولكن في ظل وجود شكل قانوني بدون تراض، فأنت لا تضمن أي شيء».
تختلف أو تتفق مع هذه الرؤية، ولكنها تبقى رؤية متوازنة لا تتعالى على الواقع، ولا تقنع بشعارات غير قابلة للتنفيذ. البطولة عنده لطبيعة الممارسة، ولا مفر من التوازن والتنازل، ولا معنى لصدام غير متكافئ يفضي بالضرورة إلى هزيمة جديدة وخسائر جسيمة. ومن المرتكزات المهمة في مبادرة نوح «إزالة عناصر الالتهاب وتمهيد الطريق لميثاق جديد في التعامل بين الدولة والجماعة». ويطالب بتلافي سلبيات الماضي: «فقد أصبحت مقتنعا بأهمية جمع المعلومات قبل أن أبدأ في الحركة، بمعنى أن لدي استعدادا للصبر مائة عام قبل أن أتحرك بجهل على الصعيد المعلوماتي، وهذه من وجهة نظري، نظرية جديدة: (جمع المعلومات مقدم على بداية الحركة)». ولا تروق مثل هذه الأفكار الإصلاحية الجريئة للحرس القديم بطبيعة الحال; ذلك أنهم قانعون بميراثهم ومتشبثون به. وكما يرفض الحرس القديم أفكار نوح، يرفض أفكار أبو العلا ماضي، وهو أحد أبناء نفس الجيل. يقول ماضى: «لا يوجد تنظيم في الدنيا يعيش خارج نسق النظام». الإخوان التقليديون يعيشون خارج النظام، ويؤمنون أنهم بعيدون عن المنافسة، وأنهم سياسيون من طراز مختلف ـ هكذا يؤكد أبو العلا ماضى ـ ثم يطرح عددا من التساؤلات التي تساهم الإجابة عليها في نقل الجماعة من الإطار الفضفاض إلى ساحة السياسة المحددة الواضحة. يقول ماضى: «هل هدفنا الوصول للسلطة أم المشاركة في الحكم؟ هل الإخوان جماعة إصلاحية دعوية ملك للأمة أم هي حزب سياسي؟ الاثنان مطلوبان.. ولكن جمعهما في شكل أو جماعة أو تنظيم واحد مستحيل».
لا مفر من الاختيار، ولا بديل عن تغيير شامل في التعامل مع الآخرين، وفى التعامل الداخلي، حيث تتراكم الأمراض والسلبيات: «العلانية والحزب يعنيان إجراء انتخابات للقيادة بشكل علني وحر وباقتراع سري، ويعنيان آليات للمحاسبة، وشفافية في التمويل وبنود الصرف، وكل هذا سيدفع بهؤلاء الناس إلى زاوية المشهد، وسينهي سيطرتهم التي يحتفظون بها على خلفية الظروف الأمنية والمطاردات والحفاظ على وحدة التنظيم.. إلى آخر تلك المقولات التي يستخدمونها كفزاعة في وجه كل من يطالب بالتغيير». انها أسئلة تنم عن تباين وجهات النظر إلى حد التناقض، ولكن السؤال إلى متى يظل هذا التباين المؤدي إلى حالة الارتباك قائما، الظن أنه لن يطول كثيرا