من أرشيف عبد الرحيم علي
تفجيرات طابا: حلف الظواهري في مواجهة الآخرين
الشرق الأوسط الثلاثـاء 05 رمضـان 1425 هـ 19 اكتوبر 2004 العدد 9457
كشف أغلب تقديرات الخبراء والمتابعين لقضايا الإرهاب في مصر، بشأن الجهة التي تقف خلف تفجيرات طابا، عن غياب مروع لكافة المناهج الموضوعية والعلمية في البحث والمعالجة. فقد تراوحت تلك التقديرات بين رؤيتين لا ثالث لهما. الأولى ضلوع مخابرات دولة أجنبية في تخطيط وتنفيذ الحادث (في إشارة للموساد)، والثانية كون المنفذين من المتطرفين اليهود. هدف القائمين بالعملية، وفقا لكلا الرؤيتين واحد، وهو منع السواح اليهود من القدوم الى سيناء، وضرب الاقتصاد المصري من جانب، وتهميش دور مصر الساعي الى توحيد الفلسطينيين تحت مظلة قيادة وطنية موحدة، واستراتيجية عمل وطني مشترك، من جانب آخر.
واستبعد الجميع ضلوع تنظيم القاعدة في التخطيط أو تنفيذ الحادث، انطلاقا من أن التنظيم مني بخسائر كبرى في أفغانستان، وان قادته محاصرون لا يستطيعون التخطيط أو الإشراف على تنفيذ مثل هذا النوع من العمليات، الذي يحتاج الى تواجد مادي للتنظيم في هذه المنطقة.
ونظرا لأن كافة التحليلات التي انطلقت من تلك الرؤى، تفتقر الى كثير من الدقة والخبرة المتعمقة بتوجهات وحركة وإيديولوجية هذا التنظيم، سوف القي نظرة سريعة على منهج واستراتيجية «القاعدة» كمفتتح للحديث عن المؤشرات التي دفعتنا للتأكيد على وقوف عناصر تنتمي الى «القاعدة»، وراء تلك التفجيرات.
استطاع تنظيم القاعدة، أن يتحول (في سنوات معدودة) من تنظيم هيكلي يمكن القضاء عليه باستهداف قادته البارزين، وتجفيف منابع تمويله، إلى حالة تسري في عقول ملايين من المسلمين حول العالم. وكسر التنظيم (الأخطر في العالم حتى الآن) حلقة الهيكلية، قافزا إلى أعلى مراحل تطور التنظيمات العقائدية لأول مرة في تاريخ تنظيمات العنف في العصر الحديث.
وفي كتابه «فرسان تحت راية النبي»، قام الدكتور أيمن الظواهري، القائد الميداني للتنظيم، بتدشين هذه القفزة النوعية، عندما أكد أن العالم بات ينقسم إلى حلفين: حلف يضم القوى الغربية المعادية للإسلام (على حد زعمه)، ومعها روسيا والحكام التابعين لهم في الدول العربية والإسلامية، وحلف إسلامي يضم حركات الجهاد في بلاد العالم الإسلامي المختلفة.
وأشار الظواهري إلى أن القوى المشاركة في الحلف الأول (حلف الأميركان)، حصرت عدوها بوضوح، في «الأصولية الإسلامية»، واتخذت لمحاربته أدوات عديدة منها: الأمم المتحدة، والحكام الطواغيت في الدول العربية والإسلامية، والشركات متعددة الجنسية، وأنظمة الاتصال الدولية وتبادل المعلومات، ووكالات الأنباء العالمية وقنوات الإعلام الفضائية، ومنظمات الإغاثة الدولية التي يستخدمونها ستاراً للتجسس والتبشير وتدبير الانقلابات ونقل الأسلحة (وهو ما دعا عديدا من أنصار «القاعدة» الى الاعتداء بالقتل والخطف على المتطوعين من أعضاء تلك المؤسسات وسط دهشة المراقبين والمتابعين).
وشدد الظواهري على أن حلف الأصوليين قد تبنى الجهاد أداة وحيدة في مواجهة كل هذه الأدوات التي يملكها حلف الأميركان.
وبينما كان الهدف النهائي الذي تمحورت حوله كافة الحركات الإسلامية الجهادية، في العالمين العربي والإسلامي طوال القرن العشرين، هو الوصول إلى السلطة وتأسيس الدولة الإسلامية، عبر حسم المواجهة مع العدو القريب ممثلا في الأنظمة الحاكمة في تلك الدول. فاجأ الظواهري قادة وكوادر هذه الحركات ، بتغيير تلك الاستراتيجية عقب تفجيرات نيويورك وواشنطن في سبتمبر 2001، وذلك بالإعلان عن عدم إمكانية «خوض الصراع من اجل إقامة الدولة الإسلامية على أنه صراع إقليمي»، مضيفا «أن التحالف الصليبي اليهودي بزعامة أميركا لن يسمح لأية قوة مسلمة بالوصول للحكم في أي من بلاد المسلمين، وأنه سيحشد كل طاقاته لضربها وإزالتها من الحكم إن تمكنت من الوصول».
وأنهى الظواهري رؤيته بالقول «إننا تكيفا مع هذا الوضع الجديد، يجب أن نعد أنفسنا لمعركة لا تقتصر على إقليم واحد، بل تشمل العدو الداخلي المرتد والعدو الخارجي الصليبي ـ اليهودي».
وحصر الظواهري دوره ودور زعماء القاعدة وفق الاستراتيجية الجديدة في التوعية والتحريض، مؤكدا «أن القيادة عليها أن تخوض معركة توعية الأمة عن طريق:
كشف الحكام المحاربين للإسلام. إبراز أهمية الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين في عقيدة المسلم. تحميل كل مسلم المسؤولية في الدفاع عن الإسلام ومقدساته وأمته ودياره. التحذير من عمائم السلطان، وتذكير الأمة بحق علماء الجهاد وأئمة التضحية عليها، وواجبها في نصرتهم وحمايتهم وتوقيرهم والاقتداء بهم والدفاع عنهم. كشف مدى العدوان على عقيدتنا ومقدساتنا ومدى النهب الذي تتعرض له ثرواتنا».
وقد لاحظ المراقبون تغيرا ملحوظا في الرسالة الأخيرة التي بثها تليفزيون الجزيرة قبل عشرة أيام من الحادث، ونسبها الى الظواهري. ففي سياق حديثه عن إعادة تنظيم المجاهدين لأنفسهم، اورد إضافة الى أفغانستان والعراق والشيشان، «فلسطين» للمرة الأولى. لم ينتبه أحد الى ما قاله الظواهري، إلا أن الرجل كان يعنى ما يقوله جيدا. فطوال أكثر من ثلاث سنوات مضت على تفجيرات سبتمبر 2001، ونقطة الضعف الوحيدة التي يستخدمها مهاجمو القاعدة وبن لادن، كانت أن التنظيم لم يقدم شيئا البتة للقضية الفلسطينية، على الرغم من الشعارات العديدة التي يرفعها في هذا الإطار.
لذا كانت دعوة الظواهري للشباب في أكثر مناسبة للجهاد (وفق طريقته)، نيلا من اليهود في أي بقعة من العالم انتصارا للقضية الفلسطينية. وفي نفس الرسالة، يعيد الظواهري تأكيد مقولته، مشددا على «ان الدفاع عن فلسطين ليس حماسا وطنيا ولا عصبية قومية ولا صراعا سياسيا، ولكنه قضية شرعية قبل كل شيء. فتحرير فلسطين فريضة عينية على كل مسلم، ولذا لا يستطيع المسلمون ان يتنازلوا عن فلسطين حتى ولو تخلت الدنيا كلها عنها».
وإذا أخذنا في الاعتبار تحفظ «حماس» وكافة فصائل المقاومة الفلسطينية على قضية نقل الصراع مع العدو الصهيوني الى خارج الأرض المحتلة، واعتباره خطا أحمر، كان لا بد أن تتوقع سرعة ظهور تيار جهادي ينطلق من أفكار «القاعدة»، يسعى للتصدى لهذه المهمة (نقل الصراع مع العدو الصهيوني خارج الأرض المحتلة)، خاصة بعد قطع شارون شوطا كبيرا في هذا الاتجاه.
بل كان من المستغرب تأخر ظهور هذا التيار في تلك الأرض التي جعلها شارون بجرائمه اليومية ضد المدنيين العزل تربة صالحة لهذا النبت.
اما المؤشرات التي حسمت رؤيتنا حول ارتباط منفذي تفجير طابا فكريا بتنظيم القاعدة، فتستند الى:
اولا: دقة التنفيذ الذي تميزت به العملية; الأمر الذي يوحي بمهارة وحسن تدريب المنفذين، وهذا يحتاج إلى وقت طويل; وتدريب عال لا يمكن توافره إلا في منطقة يكثر فيها حائزو السلاح وتتراخى فيها القبضة الأمنية بشكل ملحوظ.
ثانيا: محاولات تنظيم القاعدة منذ أكثر من 3 سنوات، التواجد داخل المثلث (الأردني ـ المصري ـ الفلسطيني)، في محاولة منه للتعاطي بشكل مباشر مع ساحة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهو ما كشف عنه أكثر من بلد في المنطقة (إسرائيل والأردن).
ثالثا: إعلان 3 تنظيمات مجهولة مسؤوليتها عن عملية التنفيذ، الأمر الذي يؤكد بكارة هذه التنظيمات التي تحاول تدشين عضويتها في شبكة القاعدة، عبر عملية عسكرية تهديها للتنظيم، كما حدث من قبل في كل من بالي والمغرب وتونس ومدريد.
أخيرا: إن الارتكان الى وجود جهاز مخابرات أجنبي أو متطرفين يهود وراء الحادث ، يدفع في اتجاه تجاهل وجود مجموعات تتعاطى مع فكر تنظيم القاعدة على الأرض، في منطقة تحمل ملامح صراع من نوع خاص، الأمر الذي يحرف القائمين على الأمن في هذا المثلث من العالم (مصر الأردن فلسطين) عن مهمات أساسية، يأتي في مقدمتها إيجاد نوع خاص من التعاون الذي يحول دون قيام تلك المجموعات بعمليات قد تكون أخطر من عملية طابا في المستقبل القريب.
* كاتب مصري
الثلاثـاء 05 رمضـان 1425 هـ 19 اكتوبر 2004 العدد 9457