من أرشيف عبد الرحيم علي
تفجير خان الخليلي ثلاث دلالات مهمة لحادث خطير
الشرق الأوسط 16-4-2005
صحيح ان قادة الجماعة الاسلامية تراجعوا، ولكن هل ينطبق هذا على القيادات المتبقية؟ ماذا عن الذين قادوا المواجهات مع الدولة في صعيد مصر، مثل مجموعات عبد الحميد أبوعقرب، ورفعت زيدان، وأنور حامد، ومحمود الفرشوطي، ومحمد عبد الرحمن سلامة، فما زال مصيرهم يحيط به الغموض.
دأب عدد من المحللين والخبراء في شئون الحركات الإسلامية على توصيف أي عملية إرهابية تقع على الأراضي المصرية ـ خاصة بعد أن أعلنت الجماعة الإسلامية المصرية مبادرتها لوقف العنف عام 1997 وما نتج عنها من حوارات مطولة بين الحكومة وقادة هذه الجماعة انتهت بالإفراج عنهم في أكتوبر من عام 2004 ـ على أنها حوادث فردية لا يقف خلفها تنظيم، حدث هذا عند تحليلهم لتفجيرات طابا، ثم تكرر عند تعاملهم مع تفجير خان الخليلي.
والخطورة في مثل هذه التحليلات، أنها تركن إلى الاستسهال في التعامل مع أحداث معقدة، الأمر الذي ينتج عنه عواقب وخيمة، عانينا منها في مصر لعقدين من الزمان.
والحقيقة أن مصر لم تكن تعاني فقط من هجمات الجماعة الإسلامية ولكنها أيضا عانت من ضربات موجعة لتنظيم الجهاد، وهو على خلاف الجماعة الإسلامية لم يعلن حتى الآن عن أي مبادرة لوقف العنف أو إلقاء السلاح، وما زال قادته والآلاف من كوادره الذين تم كشفهم في سنوات الثمانينات والتسعينات (وفي مقدمتهم عبود وطارق الزمر) يقبعون خلف الأسوار على الرغم من انتهاء مدة محكومياتهم.
ولا أهمية هنا بالطبع ـ من حيث المنهج العلمي في تناول هذه القضية ـ لشخص هنا أو هناك يصدر بيانا يستنكر فيه الحادث، خاصة إذا لم يكن ضمن القيادة الحقيقية للتنظيم، الأمر الذي يقدم دافعا كافيا لوضع تنظيم الجهاد ضمن الاحتمالات القائمة في ما يتعلق بالجهة المنفذة، ويدعم هذا الاحتمال عدة عوامل جميعها تتعلق بمنهج الحكومة المصرية في التعاطي مع هذا الملف الساخن والمعقد:
أولا: إن الحكومة المصرية تركت ملف الإرهاب في يد جهاز الأمن منفردا، موكلة له القيام بكل الأدوار، السياسية، والاجتماعية، والفكرية، وهو تكليف بما لا يطاق، مما أدى في النهاية إلى حصر وسائل المواجهة في اثنتين لا ثالث لهما: الأولى تتعلق بالمواجهة المسلحة، والثانية تتمثل في عقد الصفقات ذات الطبيعة الأمنية.
ثانيا: أن جهاز الأمن المصري، تعامل مع هذه الظاهرة بطريقة القطعة (أي التفاهم مع كل جماعة على حدة ووفق استراتيجية، تحدد مستوى خطورة وأهمية كل جماعة بحجم ما يمكن أن تقوم به من عمليات تنال من هيبة الدولة).
ثالثا: من هذا المنطلق بدأ جهاز الأمن مفاوضاته أولا مع الجماعة الإسلامية بوصفها الجماعة الأقوى وفق حساباته، حيث ظلت ممسكة بالسلاح حتى نوفبر 1997، على عكس جماعة الجهاد التي ألقت السلاح في عام 1995 بعد عملية خان الخليلي الفاشلة (السابقة).
رابعا: اعتقدت أجهزة الأمن المصرية أنها أغلقت ملف الجماعة الإسلامية بمجرد صدور ما سمي بكتب تصحيح المفاهيم والإفراج عن أعضاء مجلس شورى الجماعة وفي مقدمتهم كرم زهدي رئيس مجلس شورى الجماعة في أكتوبر من عام 2004.
ونست أجهزة الأمن المصرية او تناست وجود نسبة كبيرة من الذين قادوا المواجهات مع الدولة في صعيد مصر مثل مجموعات عبد الحميد أبوعقرب، ورفعت زيدان، وأنور حامد، ومحمود الفرشوطى، ومحمد عبد الرحمن سلامة، ما زال مصيرهم يحيط به الغموض، فلم تعلن الدولة عن القبض عليهم أو وفاتهم في الوقت الذي لم يعلنوا فيه عن موقف واضح من مبادرة وقف العنف حتى الآن، وهو ما يضع علامات استفهام عديدة خاصة أن هذه المجموعات كانت تدين بالولاء لقادة الجماعة في الخارج أمثال رفاعي طه (الذي قامت سورية بتسليمه الى مصر عام 1999 ولم يقدم لأي محاكمة حتى الآن)، ومصطفى حمزة (الذى تردد مؤخرا تسلم مصر له من إيران ولم يقدم لمحاكمة هو الآخر حتى الآن).
خامسا: إن أجهزة الأمن راحت تطبق في حوارها مع قادة جماعة الجهاد (عبود وطارق الزمر)، خبراتها المكتسبة من خلال حوارها مع الجماعة الإسلامية، متناسية أن لكل جماعة أسلوبا وطريقة في المعالجة تختلف عن الأخرى وهو ما أدى الى الوصول مع قادة جماعة الجهاد الى طريق مسدود، الأمر الذي استدعى ضرورة الإبقاء عليهم رهن الاحتجاز على الرغم من انتهاء مدة محكومياتهم.
وقد يدعم هذا التوجه ما نشرته جريدة الأهرام المصرية يوم الأربعاء الماضي تحت عنوان (الإرهابي عكف مؤخرا على دراسة الدوائر الكهربائية، ومنهج جماعة الجهاد) والذي جاء فيه «إن المعاينات التي أجرتها نيابة أمن الدولة لمنزل الإرهابي والشقة التي كان يقيم فيها والخاصة بخالته كشفت عن مفاجآت مثيرة حيث عثر داخل منزله على عدد من الكتب الخاصة بشرح الدوائر الكهربائية وتوصيلاتها بالاضافة إلى كتب أخرى خاصة بكيفية إعداد وتركيب العبوات المتفجرة وشرح تفصيلي يوضح تأثيرات المواد المخلوطة في العبوة وكيفية وضع زمام تفعيلها وتوقيته ، فضلا عن العثور علي كتب أخرى تشرح الأفكار التي تعتنقها جماعة الجهاد ومنهجها وأهدافها». بالطبع ليس هذا هو الافتراض الوحيد ولكنه الأبرز من وجهة نظري، ويبقى لدينا افتراض آخر متمثلا في ميلاد تنظيم جديد يستمد رؤيته الفكرية من منهج جماعة الجهاد ويقوم بتجنيد عناصره مستغلا شبكة المعلومات الدولية، التي تتيح قدرا كبيرا من حرية انتقال المعلومات، مما يجعلنا نحذر من التهوين من شأن ما حدث حتى لا نجد أنفسنا أمام عودة جديدة لموجة أخرى من الإرهاب أظنها يمكن أن تكون أقسى كثيرا من موجة التسعينات.
أما عن مكمن خطورة العملية، فلا يمكن بالطبع تقييم هذه العملية من خلال دراسة نتائجها أو التقنية المستخدمة في تنفيذها، ولكن الأمر يفرض علينا دراستها من حيث ما تنبئ عنه من دلالات خطيرة على مستويات عدة:
1- طريقة تنفيذ العملية: حيث لجأ المنفذ إلى العمل الانتحاري، مما يؤشر على وجود خلايا نائمة لهذه التنظيمات تستطيع أن تقوم بإقناع مجندين جدد وتدفع بهم إلى تنفيذ عمليات انتحارية، وإذا أخذنا في الاعتبار اتساع دائرة الإحباط وسط الشباب في مصر لأدركنا خطورة مثل هذا التوجه، خاصة في بلد يعاني من التكدس السكاني الموجود في كل مكان.
2- ثبوت قدرة منفذ عملية خان الخليلي على التعاطي بشكل إيجابي مع شبكة المعلومات الدولية (إنترنت)، الأمر الذي يوحي بمدى جاهزية هذا الجيل الجديد من هذه التنظيمات على التواصل والتخطيط عن بعد، بعيدا عن أعين أجهزة الأمن.
3- أفادت كافة التقارير المتعلقة بحادثي طابا والأزهر، أن المنفذين قد تحولوا تجاه التشدد الديني بعد التقائهم بأشخاص، وترددهم على أماكن ما زالت جميعها مجهولة لأجهزة الرصد والمتابعة.
الدلالات الثلاث السابقة تدفعنا للقول إننا بصدد مرحلة جديدة تحتاج إلى آليات مختلفة في مواجهة تجدد ظاهرة الإرهاب، ليس من بينها الادعاء المستمر بأن هذه العمليات فردية، أو من تدبير جهات أجنبية.
* باحث مصري في الجماعات الاسلامية المصرية