السبت 23 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

حوار أمريكا والإخوان المسلمين في مصر : ماذا سيبقى من الجماعة ؟

الشرق الأوسط السبـت 29 صفـر 1426 هـ 9 ابريل 2005 العدد 9629

نشر
عبد الرحيم علي


لم يكن ما سربته مصادر غربية في مصر ، ونشرته جريدة «الشرق الاوسط» الموقرة يوم الأحد ، حول خيار الولايات المتحدة الأمريكية بالحوار مع جماعة الإخوان المسلمين ، إلا تتويجا لمسار طويل من الحوار ، بدأ عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بين جناح في الإدارة الأمريكية ورموز بارزة محسوبة على جماعة الإخوان داخل مصر وخارجها . بنى هذا الجناح بالإدارة الأمريكية رؤيته على ثلاثة اعتبارات رئيسية : 
الأول : أن الأنظمة «المستبدة» التي تحكم بلدان المنطقة العربية هي السبب الرئيسي وراء ظهور وتصدير ظاهرة الإرهاب الإسلامي. 
الثاني : أن نقل المعركة إلى أرض العدو لا يتم فقط عبر انتقال قوات المارينز لمواجهة بعض البؤر الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط ، وإنما يجب إيجاد سبل أخرى تتم من خلالها عملية النقل ، في مقدمتها استخدام منظمات إسلامية معتدلة تعمل كحائط صد في مواجهة تدفق الشباب الإسلامي الثائر والساخط نحو المنظمات الإرهابية . 
الثالث : أن الدمقرطة التي ستدعو إليها أمريكا وستضغط في سبيل تحقيقها في بلدان الشرق الأوسط لا بد أن تزيح أو تضعف عند حدها الأدنى من قدرات الأنظمة الحاكمة على الاستمرار في الحكم ، وذلك لصالح تيارات أخرى أكثرها شعبية التيارات الإسلامية . 
لذا لا بد من فتح حوار مع تلك القوى المرشحة للصعود لضمان روابط إيجابية معها إن لم تصل إلى حد التعاون الكامل ، تتمحور حول المصالح المشتركة ، وضمان عدم إنتاج وتصدير الكراهية للولايات المتحدة. 
وظلت حركة هذا الجناح تعاني من مقاومة ضارية يقودها جناح آخر في الإدارة الأمريكية لا يقل مكانة وأهمية في مجال صنع السياسة الخارجية للدولة الأعظم في العالم ، وهو الجناح المطالب بالاعتماد على الأنظمة الصديقة في المنطقة وفي مقدمتها النظام المصري لدعم المصالح الأمريكية من جانب والتصدي لنفوذ التيارات المتشددة من جانب آخر . 
دعم هذا الجناح لفترة طويلة قوافل الحوار المصرية التي تتابعت على العاصمة الأمريكية واشنطن مشتبكة في حوار طويل ومكثف مع مراكز صنع القرار الأمريكي حول خطورة ممارسة ضغوط على الأنظمة الصديقة من شأنها أن تفتح الطريق لقوى إسلامية معتدلة نحو السلطة منبهة إلى موقف هذا التيار الأيديولوجي المعادي للحضارة الغربية والأمريكية على سواء . 
وبينما قوافل الشتاء والصيف القادمة من مصر كانت تتحاور مع الجناح المتحمس لوجهة نظرها ، كان الجناح الآخر يزرع المنطقة جيئة وذهابا للحوار مع رموز التيار الإسلامي في كل من مصر والكويت والأردن والأراضي المحتلة ، بالإضافة إلى ممثلين للتنظيم الدولي للإخوان في كل من ألمانيا وأنجلترا. 
وفجأة انهالت الرسائل المبطنة والمكشوفة من جميع المسؤولين في أمريكا تؤكد المسعى الجديد ، فمن كونداليزا رايس ، إلى ريتشارد هيس، راح الجميع يؤكدون أن الولايات المتحدة لا تخشى وصول تيارات إسلامية إلى السلطة شريطة أن تصل عن طريق ديموقراطي وأن تتبنى الديمقراطية كوسيلة للحكم . 
ولكن، ما الذي دعا الإدارة الأمريكية إلى حسم الصراع بشكل مفاجئ لصالح الجناح الداعي إلى الحوار مع الإسلاميين . 
في ظني أن تلكؤ النظام الرسمي الحاكم في مصر على وجه التحديد في الإقدام على إحداث إصلاحات ذات طبيعة جذرية، والتوافق الكامل مع عامل الوقت في هذا الأطار ، هو الأساس الذي دعم هذا الجناح في مواجهة الجناح الداعم لوجهة نظر النظام المصري . 
لقد بنى النظام المصري حساباته على عنصرين : 
الأول : المناورة الداخلية إلى آخر مربع يمكن الوقوف عليه من خلال الإعلان عن تغييرات لا تحدث نقلات نوعية في جوهر الحكم . 
والثاني : محاولات ضرب الداخل بالخارج، والعكس ، عن طريق تخويف الاثنين ، كل من الآخر، فالخارج يريد الضغط للنيل من الإرادة الوطنية ، والداخل يريد الوثوب إلى السلطة للنيل من المصالح الأمريكية والغربية . 
وبارتكاب هذا الخطأ التاريخي تمكنت قوى الخارج من القيام بمزيد من المناورة والتدخل لدعم عناصر المعارضة في الداخل ، وإن بدا ذلك بشكل غير مباشر ، عن طريق الحد من قدرة النظام المصري على المناورة في مواجهة معارضيه والضغط عليه في محاولة لإظهاره بموقف الضعيف أمام شعبه ، الأمر الذي أدى إلى اتساع دائرة المعارضة للنظام وإزدياد جرأتها في مواجهة أجهزته القمعية. 
لكن وفي خطوة اعتبرها البعض من قبيل تحسس موقع الأقدام أعلن نائب المرشد العام للإخوان قبول الجماعة للحوار مع الولايات المتحدة شريطة أن يتم عبر الخارجية المصرية ، وهو رد ينطوي في نظري على عدة اعتبارات : 
الأول : رغبة الجماعة في ترك الباب مواربا أمام الدعوة التي لم تثبت صحتها بعد ، وذلك لاختبار جدية الولايات المتحدة في توجهها الجديد من جهة ، ومن جهة أخرى يجري اختبار رد الفعل الرسمي للحكومة المصرية على مثل هذا التوجه . 
الثاني : وهو الأهم من وجهة نظري ، السعي للحصول على مزيد من الوقت لحسم الخلافات الداخلية بين تياري الحرس القديم وجيل السبعينيات حول الموقف من الحوار مع أمريكا . 
فالمعلوم أن جماعة الإخوان تعاني منذ فترة ، ليست بالقريبة ، حالة ازدواجية غير معلنة في القيادة ، يمثلها فريقان متنفذان داخلها ، الأول فريق الحرس القديم (مجموعة 65 وأنصارهم) وهؤلاء مع الصدام المؤجل مع النظام وضد اي عمل سياسي تراكمي يقود إلى تغيير بالطرق السلمية (التي لا يثقون كثيرا بها نظرا لما مروا به من تجارب) والثاني : تيار السبعينيات التجديدي : الداعي إلى مزيد من العمل السياسي المتراكم الذي يوصل في النهاية إلى عودة الجماعة إلى دائرة الفعل السياسي بعيدا عن سياسة رد الفعل التي كلفت الجماعة الكثير في السنوات العشر الماضية. هذا الجناح (السبعيني) يعتبر ما يحدث فرصة لا يجب إهدارها، أو بتعبير الدكتور عصام العريان عضو مجلس شورى الجماعة «فرصة لن نتركها تفلت أبدا» . 
فالقوة العظمى الأولى في العالم تمارس ضغوطا كبيرة على النظام المصري وتسعى إلى تحجيم دوره لصالح قوى أخرى بديلة ، والنظام عاجز عن مواجهة تلك الضغوط والشارع يغلي بالغضب ، وها هي الإشارة تأتي من أمريكا باستعدادها للحوار معهم ، وعدم ممانعتها لوصول قوى إسلامية للسلطة في البلدان العربية . 
ولكن يظل تحرك هذا التيار في هذا الاتجاه بحاجة ماسة إلى ثلاث «معجزات»: 
أولاها : إقناع آلاف من الشباب الداعم له ـ في معركته مع الحرس القديم ـ بضرورة عدم تفويت الفرصة والقبول بالحوار مع القوى الوحيدة التي تساعد شارون وعصابته من الليكود الإسرائيلي على التهام الأراضي الفلسطينية ، وتهويد القدس ، وقتل شعب عاجز لمجرد أنه يرفض الاحتلال ويطالب بدولة مستقلة عاصمتها القدس العربية المحتلة. 
ثانيتها: التصدي لقناعات الحرس القديم التي دأب المرشد العام على ترديدها في أكثر من مناسبة ، من قبيل أن أمريكا لا تهدف من وجودها في المنطقة أو حربها في العراق سوى القضاء على الإسلام وتدمير حضارته، وأن الضغوط الأمريكية من أجل الإصلاح لا تهدف بالأساس سوى خدمة المشروع الصهيوني. 
وآخرها: إجراء تحولات سريعة وكبيرة (لن يسعفه الوقت لتحقيقها) فيما يتعلق بكثير من رؤى الجماعة المرتبطة بالموقف من الآخر ، والمرأة ، والأقباط ، والنظام السياسي الأمثل في الحكم، وقضية تطبيق الشريعة. الأمر الذي يستدعي ، في مرحلة لاحقة ، «دفن» العديد من أفكار الإمام المؤسس حسن البنا، والإعلان عن خطئها أو عدم صلاحيتها للمرحلة الحالية في أقل الفروض ، وهو ما سيطرح إشكالية أخرى على هذا التيار وعلى الجماعة بشكل عام ، تتمثل في تفكيك البنى الفكرية التي قامت عليها الجماعة طوال ما يقرب من ثمانين عاما ، وهو ما سيحدث هزة داخلية عنيفة قد لا تتحملها الجماعة على الرغم من قوتها وصلابة بنيانها. 
وقد يطرح الأمر كله سؤالا لا أظنه سيكون بعيدا عن هذه التحديات الجديدة الملقاة على عاتق الجماعة الآن ، وهو : ماذا سيبقى من جماعة الإخوان المسلمين إذا هي استجابت لكل هذه التحديات وسعت نحو عدم تفويت الفرصة ؟!. 
وهل تهدف أمريكا الى إحداث مثل هذا التغيير الجذري في الجماعة الأم التي أنبتت كل التيارات الإسلامية في المنطقة ؟ 
مجرد سؤال ربما تحمل لنا الأيام القادمة إجابته... 
* كاتب مصري