من أرشيف عبد الرحيم علي
عبد الرحيم علي يكتب: نجوم الاجتهاد (4)
نُشر هذا المقال في جريدة نهضة مصر بتاريخ الخميس 7 فبراير 2008
وفي هذا المقال ورغم اننا سوف نتحدث عن فضل مدرسة التجديد والاجتهاد في الفكر الإسلامي وأهم العوائق التي وقفت حائلا دون تفعيل آراء هذا التيار ، فنحن لا نختتم رحلتنا بين نجوم الإجتهاد ، وسوف نواصل في مقالات لاحقة ، لاعتقادنا بأننا أمام مسألة حياة أو موت بالنسبة للفكر الإسلامي ، فإما العودة الى ساحة الاجتهاد من جديد أو فعلى أمتنا السلام .
ونكمل سلسلة المجتهدين مع جمال البنا ، يقول الرجل في كتابه "حرية الرأي في الإسلام " : " إن الإيمان والكفر قضية شخصية وليست من قضايا "النظام العام" التي تتصدى لها الدولة، فمن آمن فانه ينفع نفسه ومن كفر فانه يجنى عليها والله تعالى غنى عن العالمين، ولقد قرر القرآن الكريم عبر آياته أن الرسل وهم حملة الوحي وأولى الناس بقضية الإيمان والكفر ليس لهم من سلطة إلا التبليغ ولا يملكون وراء ذلك شيئا فالرسول ليس حفيظا، ولا وكيلا عن الناس ولكنه بشير ونذير ومذكر ومبلغ وأكدت أن الهداية من الله وأن الرسول ليس مكلفا بكفالة هذه الهداية لأحد وانه لا يملك أن يهدى من يحب، وأن الاختلاف والتعددية كلها مما أراده الله ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة وذكر الردة مراراً، وتكراراً وبشكل صريح دون أن يفرض عقوبة دنيوية عليها. وأكد مراراً انه هو الذي يفصل يوم القيامة فيما فيه يختلفون.
ويتساءل البنا "هل ترك القرآن ( بعد كل هذا ) شيئا لدعاه حرية الفكر والاعتقاد؟..! ويجيب بالنفي مؤكدا أن القرآن وصل إلى الغاية عندما حدد سلطة الرسل وهم أعلى الأفراد مسئولية في مجال العقيدة بهذا التحديد الدقيق (التذكير لا السيطرة)، وعندما صارح الرسول "ليس عليك هداهم" وأنه ليس إلا بشيراً ونذيراً، مبلغا ومنذرا، ووجهه بأنه لا يملك أن يهدى من يحب. لأن الهداية بيد الله وحده، ووجهه لأن لا يبخع نفسه لمسارعة أحد في الكفر ونبهه (أي الرسول) في استفهام استنكاري "افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟" "وما عليك إلا يزكى..؟"
وهكذا كان القرآن حاسما في تقرير حرية الرأي والتعبير لكل البشر دون وصاية من أحد، حتى ولو كان هذا الأحد هو الرسول ذاته(23).
وبعد فسوف نتوقف الآن أمام قضيتين هامتين ..
الأولي.. عن فضل مدرسة التجديد والاجتهاد في الفكر الإسلامي .
والثانية: حول العوائق التي وقفت حائلا دون تفعيل آراء هذا التيار وحدت من انتشاره.
1 – فضل مدرسة التجديد والاجتهاد :
رصد الشيخ أمين الخولي.. أهم الإنجازات التي قدمها تيار التجديد في مسيرة الفكر الإسلامي في ختام كتابه المهم " المجددون في الإسلام " موضحا أنها سعت إلى بعث عدد من المفاهيم التي حاولت مدرسة الجمود طمسها طوال قرون عديدة وهى:
التطور الإعتقادي ضرورة حيوية لصالح الدين والدنيا.
• ضرورة إنتشار مفاهيم التسامح الديني ورحابة الأفق .
• حرية الاعتقاد وحق الفهم الصحيح للدين جزء ثابت من حقوق الإنسان .
• تحرير العقيدة الإسلامية من الأوهام التي تجعلها تقف في مواجهة العقل أو العلم.
• فهم الدين علي أنه إصلاح للحياة لا طقوس وأشكال.
• إدراك البعد الاجتماعي للدين وأهمية العدل والمساواة.
• إثبات أن الدين وسيلة لمقاومة الظلم ومجابهة الطغيان لا أداة في يد الحكام لتبرير طغيانهم.
• التشديد على أن دور رجل الدين الوقوف مع الحق والعدل لا مع السلطان الجائر.
• عدم تدخل رجال الدين في شئون الحياة العامة ووجوب فصل الدين عن الدولة.
• سعة الأفق والانفتاح المعرفي والعلمي علي كل المعارف والخبرات الإنسانية.
• الدعوة للابتكار والتجديد ورفض الجمود والتقليد.
• أهمية أن يتحلي رجل الدين بالثقافة المدنية وسعة الأفق بجانب ثقافته الدينية.
2- العوائق التي حدت من انتشار تيار التجديد والاجتهاد:
يحدد د. عبد المتعال الصعيدي العوائق التي حدت من تأثير تيار التجديد والاجتهاد والإصلاح في الفكر الإسلامي.. ولخصها في الآتي :-
• الحكم الإستبدادى .. حيث فساد الحكم واستبداده يحول دون حرية الفكر وإطلاق مبادرات الإصلاح.
• عدم شمولية رؤى الإصلاح : فلم تكن رؤى الإصلاح شاملة، بل اهتمت بالجزئيات، وتركت الكليات.. وبمعني معاصر ، ضرورة الرؤية الإصلاحية الشاملة سياسيا واقتصادياً وفكريا ودينياً.
• سيطرة أفكار ورؤى مدرسة الجمود والتقليد وقدرتهم علي التأثير في جموع الشعب.. على العكس من تيار التجديد والإصلاح الذي لم يستطع التوصل إلى خلق تيار جماهيري يؤيده ويدافع عن رؤاه.
• خوف الحكام من الإصلاح ورجاله : فقد كانت الحكومات تنظر لأفكار الإصلاح (بشكل عام) علي أنها ثورات واجتهادات مناوئة ورافضة تسعي لتقويض سلطانهم.
ولكن تظل المراهنة علي المستقبل قائمة، حيث تلوح فى الأفق إمكانية نهوض حركة تجديدية إصلاحية تثق في إمكانات المجتمعات الإسلامية وقدرتها علي تجاوز الضعف والوهن الذي تعيش فيه، وفي نفس الوقت تؤمن بأن استنهاض طاقات المسلمين تكون بإصلاح الفكر الديني وتقديم صورة حقيقية لصحيح الإسلام، وأن الإسلام قوي بقدرته علي الإقناع، وبمناصرته لحقوق الإنسان ودفاعه عن قيم الحق الحرية ومساندته للضعفاء والفقراء، وأعتماده العدل منهجا للحياة ، حيث لا فرق بين الناس بسبب الجنس أو العقيدة.. وإدراك المجتمعات الإسلامية بأن التدهور الذى حدث لها يعود لحالة الجمود التي سيطرت علي فكرهم ورؤيتهم لدينهم.. وإيمانهم القوى بأن فتح أبواب التجديد والاجتهاد والإصلاح هي الأساس الذى سيأتى من ورائه العزة والمنعة والصلاح