الخميس 21 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبد الرحيم علي يكتب: مراجعات تنظيم الجهاد في الميزان (1)

نُشر هذا المقال بجريدة نهضة مصر بتاريخ الخميس 29 نوفمبر 2007

نشر
الدكتور سيد إمام
الدكتور سيد إمام الشريف


حتى كتابة هذه السطور صباح الأحد الماضي ، كان قد تم نشر سبع حلقات من وثيقة مفتي جماعة الجهاد ، الدكتور سيد إمام الشريف ، المعنونة : "ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم" ، إضافة إلى حلقة خاصة ألحقت بالحلقة الخامسة ، نشرت فقط في جريدة المصري اليوم ، دون غيرها من الصحف ،والمواقع التي تشارك في نشر الوثيقة ، تحدثت عن حالة التغيير في مصر ، وموقف الحركات الإسلامية منه.


وتأتي هذه السطور ،إعمالا لحق مجتمعي طالما دعت إليه أجهزة الدولة وبخاصة جهازها الأمني، الذي كثيرا ما تساءل حول دور مؤسسات المجتمع المختلفة، وبخاصة المدني منها، أحزاب، وجمعيات، ومنظمات وللحقيقة فقد قام جهاز الأمن المصري نيابة عن الدولة والمجتمع، على حد سواء، بدوره كاملا، مقدما العشرات من الشهداء الأبرار، في مرحلة المواجهة التي امتدت من أواخر الثمانينات إلى أواخر التسعينات. عشرية من الدم خاضوها دفاعا عن مصر حكومة وشعبا. وعندما لاح لهم أن الإرهابيين تعلموا الدرس وتلقوا الرسالة، وأنهم يريدون الخروج من نفق العنف ،عبر حوار جاد، لم تتأخر الأجهزة الأمنية.


ومرة أخرى أدارت حوارا ناجحا للغاية داخل السجون المصريه ، التي أستقبلت نجوم الإرهاب المصريين المرحلين من كافة أنحاء المعمورة ، وفي هذا السياق أثبت رجال الأمن ، وللمرة الثانية أنهم الاحتياطي الوطني الإستراتيجي لمصر بالفعل ، عندما نجحوا ببراعة في نزع فتيل العنف ولغير رجعة من مصر ، خاصة فيما يتعلق بهذه الجماعات المصرية الطابع.


والآن وبعد أن أدى الأمن ما عليه من أدوار ببراعة يحسد عليها، وبتكليف فوق الطاقة، أحيانا. إذ أن جزء كبير من هذه المهام لم تكن أبدا، من اختصاصاته. فقد آن لقوى المجتمع الحية، أحزابا وصحفا ومؤسسات مدنية، أن تقوم بدورها في مناقشة أفكار هؤلاء الناس التي يريدون من خلالها، إعادة التأهيل لدخول حقل العمل السياسي والعام بوصفهم أصحاب وجهة نظر، سواء أختلفنا أو أتفقنا معها. 


القدرة مناط التكليف :

هذا الشعار كان الغالب على مراجعات سيد إمام الشريف، والمجموعات الجهادية داخل السجون، فالرجل لم ينكر منذ اللحظة الأولى "أن تحكيم الشريعة هو واجب على كل مسلم بمقتضـى إيمــانه بربـه، يأثم ويختل إيمانه بتركه"، ولم يتردد مرة أخرى، في التأكيد على أنه من المعلوم من الدين بالضرورة  ،وباتفاق جميع المسلمين "أن من سّوغ إتباع غير دين الإسلام أو إتباع شريعة غير شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر" .
وفي هذا كله لم يغادر الرجل مرفأه الذي رسى عليه منذ أكثر من أربعين عاما عندما انضم لأول خلية آمنت بأفكار سيد قطب عام 1966 وتعاهدت على إنفاذها في أرض الواقع .


الجديد هذه المرة دار حول وسائل تنفيذ هذا الاعتقاد ، فلم تعد القوة خيارا مناسبا لأن واقع حال " الجماعات الإسلامية الساعية إلى تطبيق الشريعة والنهي عن المنكر في معظم بلدان المسلمين يتراوح بين العجز والاستضعاف " . وعلى الرغم من خطورة هذا النوع من التفكير، الذي ينطلق من الكف على العنف من مبدأ الاستضعاف ، فإننا سنؤجل مناقشتها الآن لنفسح المجال لعرض الجديد فيما يتعلق بوسائل التغيير أولا ، ثم نقوم بمناقشة هادئة لما هو أهم ، ألا وهو البرنامج .
لقد استطاعت الحكومة ممثلة في جهازها الأمني أن تنتزع من الجهاديين ، وعبر مرحلتين ، من العنف ثم الحوار ، اتجاها جديدا نحو الوسائل والآليات ، وآن لنا أن نفتح معهم نقاشا واسعا حول البرنامج ، وهذا في تقديري أهم من الوقوف عند جدوى الإيمان الكامل بالآليات المرتبطة بظروف الاستضعاف ،ومدى النكوص بتلك العهود عند تغير الظروف وهو ما سنؤجله لمرحلة لاحقة ، حتى لا نغلق الحوار مبكرا قبل اكتمال الغايات .


شروط الجهاد :
يحدد إمام شروط الجهاد – في وثيقة المراجعات – في ، القدرة ، والعلم ، والأهلية,واخذ إذن الوالدين ( حتى ولو كان فرض عين )، وكذا إذن الدائن ، إضافة الى وجوب النفقة الحلال ، من غير استحلال لمال الغير حتى ولو كان كافرا ( وبهذا سد إمام الطريق أمام الذين يقومون بعمليات خطف وسرقة من أجل تمويل العمل الجهادي في بعض البلدان) .


وحدد الرجل للجهاد موانع منها :
1- عدم جواز دفع المسلمين الى معركة غير متكافئة مع أعدائهم .
2- النهي عن الخروج على الحكام في بلاد المسلمين ( وهنا يعني التعبير -وفقا لإمام- البلاد التي تعلوها أحكام الكفر ، ولكن يسكنها مسلمون ، كحال البلدان العربية والإسلامية ) إلا أن يأتوا كفرا بواحا ، وفي هذه الحالة أشترط الخروج للقادر فقط .
3- ألا ينتهك أمان مسلم بقتل أحد ضيوفه من الأجانب ، الذين دعاهم إلى القدوم  إذ "أن هؤلاء الأجانب قد يقدمون إلى بلاد المسلمين بدعوة أو بعقد عمل من مسلم صاحب عمل أو صاحب شركة سياحة، وهذا أمان شرعي صحيح لا شك فيه، أما تأشيرة السلطات بعد ذلك فلا تغير شيئًا من حكم أمان المسلم لهم، ونقض أمان المسلم بالتعرض لمن دعاهم من الأجانب بالأذى من كبائر الذنوب المفسقة " وعلى الرغم من القول بأمان المسلم فقط يدخلنا في دائرة من اللجاجة وسوء الفهم ، إذ أن أغلب شركات السياحة يملكها الأقباط ، إلا أننا أيضا لن نتوقف طويلا أمام هذا التصنيف حتى يأتي مجاله .
4- نهي من دخل بلاد الأجانب بإذنهم عن الغدر بهم ، حتى وإن الإذن مزور . والغريب أن إمام قد سبق له التأكيد على هذه القضية ، منذ أكثر من أربعة عشر عاما في كتابه "الجامع في طلب العلم الشريف " ولكن أحدا لم يسمع أو يعي ، وظلوا في غيهم يعمهون ، ففجروا البنايات ، وقتلوا المستضيفين لهم ، ونهبوا ثرواتهم ، بدعوى إقامة الجهاد من داخل دار الحرب.


مقدمات الجهاد :
وإمعانا في غلق الطريق تماما أمام مغامرات الشباب الراغب في الجهاد ، إنطلاقا من برنامج واضح يكفر الآخر ( غير المسلم ) ، ويوصف المجتمعات العربية والإسلامية على أنها بلاد ردة ، لا يحكم فيها بالشرع ، ويصف حكوماتها ودساتيرها وبرلماناتها بالكفر ، لا يكتف الرجل بوضع الشروط ، والموانع ، ولكنه يضع أيضا مقدمات لا يتم الجهاد إلا بعد توافرها " وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " وهي :
- وجود دار للهجرة والنصرة .
- التكافؤ فى العدد والعدة . 
- تأمين ذراري المسلمين(نسائهم وعيالهم) . 
- توفر النفقة اللازمة للجهاد .
-  وجود فئة يمكن التحيز إليها ( أي اللجوء إليها عند الهزيمة ) . 
- تميز الصفوف ( إنتفاء وجود معصوم الدم من المسلمين وسط الكفار أو المرتدين ) .
بدائل أمام المستضعفين :
ولم يترك إمام الراغبين من المستضعفين ن في الجهاد ، بلا بدائل ، فحدد لهم طرق للجهاد لا تقل أهمية عن رفع السلاح وهي : جواز كتمان الإيمان ( العمل السري ) كمؤمن آل فرعون، وجواز اعتزال الكفار كأصحاب الكهف ( والتكفير والهجرة من قبل ) ، وكذلك الهجرة كما فعل أصحاب النبي عندما هاجروا الى الحبشة ، تلك بدائل جديدة / قديمة طرحها سيد إمام الشريف أمام رفاقه والشباب المسلم حول العالم إذا فشل في تحقيق القدرة على الجهاد ، وهذه وحدها أيضا قضية أخرى تحتاج الى حوار مجتمعي واسع ، ولكننا أيضا سنقوم بتأجيلها هي حتى نناقش البرنامج . 
لقد وضع إمام شروطا للجهاد تجعله بعيد المنال لفئات واسعة من الشباب العربي والمسلم ، ووضع أيضا موانع تكاد تجعله مستحيلا في عصرنا لكنه لم يغلق الطريق على تلك الأساليب أو الآليات للأبد ، وإنما ربطها دائما بظروفها، أو علتها – كما يقول الفقهاء – حيث يدور الحكم مع علته وجوبا وعدما.


طريقين للتغيير في مصر :
وأفرد إمام حلقة مستقلة ملحقة بالحلقة الخامسة ، مخصصة لمصر ، أعتبر فيها أن ما حدث من لجوء الجماعات والحركات الإسلامية في مصر للعنف ، خطأ منهجي وتاريخي ، وعدم التزام بشروط الجهاد الشرعي . الغريب أن الرجل أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه أخبر جماعته منذ أكثر من أربعة عشر عاما هذه الحقيقة ونهاهم عن استخدام العنف كوسيلة للتغيير ، في مصر ، في مثل الظروف التي عليها الحركات الجهادية من استضعاف ، وعدم تكافئ مع قوات هذه الدول ، والغريب أن الرجل أكد أيضا أنه وبسبب هذا الخلاف ترك موقعه كأمير لجماعة الجهاد ،واستقال من هذه الجماعة وتفرغ للعمل كطبيب ،ولتحصيل العلم الشرعي كطالب علم ، والأغرب أن أحدا من كل هذه الجوقة التي تروج للوثيقة ، لم يسأل نفسه ، ما هي التأثيرات التي تركتها استقالة سيد إمام الشريف ، إبان كان ملئ السمع والبصر ، يقول فيسمع ،ويأمر فيطاع ، هل خرج معه نفر من الذين آمنوا برؤيته ، هل أثر خروجه في تلك الأعداد التي أخذت تتكاثر دخولا الى التنظيم ، هل تعطلت أعمال التنظيم الإرهابية في كل من نيروبي ودار السلام أو المدمرة كول في اليمن أو تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر أو مدريد أو لندن ، ولماذا سيؤثر كلامه الآن وهو سجين ، مع لهذه الوضعية من تأثير على كلامه وحجيته .


ومرة أخرى لن نتحدث كثيرا في هذا الموضوع فهو ليس موضوعنا الأساسي ، وإنما موضوعنا بحق هو البرنامج السياسي -إذا جاز التعبير -لهذه المجموعات والذي لم يناقشه معنا سيد إمام الشريف – حتى الآن – والذي نأمل أن يراجعه معنا طالما نحن نتحدث عن مراجعات لفقه الجهاد، وليس لآليات الجهاد ( هكذا أظن الأمر ، وليس بعد كل ظن إثم ) .


ولكن قبل أن نلج إلى موضوعنا يجب أن نثبت ما قاله الرجل حول سبل التغيير في مصر ، والتي حصرها في طريقين لا ثالث لهما :
- الطريقة الأولى: (غزو خارجي) كالغزو الفارسي والغزو الروماني والفتح الإسلامي والغزو العثماني والاحتلال الإنجليزي لمصر. 
والطريقة الثانية: (تغيير من داخل السلطة الحاكمة) مثل خروج صلاح الدين الأيوبي على الفاطميين ، واستيلاء محمد على باشا الكبير على السلطة بمصر (1805م)، ومثل استيلاء جمال عبد الناصر على السلطة بمصر عام 1952م .

 

لقد أغلق الرجل وللأبد أمام الشعب المصري طريق المشاركة في التغيير ليس تلميحا وحسب وإنما تصريحا أيضا ، فقد أكد بالفم المليان على حقيقة أن : " التاريخ هو سنن الله القدرية، ولما كانت (العادة محكمة) فإن ما لم تفلح الحركات الشعبية في إنجازه فى الماضي، فلن تفلح فيه فى الحاضر، وإنما يرجع ذلك إلى طبيعة مصر كدولة مركزية تمتد سلطتها إلى أعماق البلاد وأطرافها، لضبط الري وجباية الخراج كونها دولة نهرية، وامتداد السلطة إلى الأطراف كفيل بإجهاض المعارضة الشعبية فى مهدها، والدول والشعوب لها خصائص تلازمها دائماً"
ومرة أخرى لن نعلق وسنؤجل التعليق إلى موضعه ، حين نفرغ من الحديث حول البرنامج ، الذي هو في رأينا أهم من الآليات ورؤى التغيير .


في نقد البرنامج :
لم يرد إلينا ، حتى كتابة هذه السطور ، وربما لن يرد، وفقا للمنهج المتبع في الوثيقة ، كلام جديد متغير حول منهج جماعة الجهاد ، وأميرها السابق السيد سيد إمام الشريف ،فيما يتعلق بالحكم على مجتمعاتنا ، وحكوماتها ، وبرلماناتها ، وقضائها ، وجيشها وشرطتها ، ومؤسساتها المدنية ، والمواطنون غير المسلمين الذين يتمتعون بجنسياتها . وتلك كانت لب المشكلة وأصل الخروج على الحاكم ، والحرب التي دارت لعشرية من السنين بين هذه الجماعات وأجهزة الأمن في الدول العربية والإسلامية ، فضلا عن ذلك فإن هذه القضايا هي التي تهمنا كمجتمع يسعى لدمج الإسلاميين بين مؤسساته المدنية السياسية والاجتماعية ، للمساهمة في التغيير السلمي لآليات ومناهج السلطة . 
من هنا وجب تذكير هؤلاء الرجال بما خطته أيديهم عسى أن نسمع منهم ما يشجعنا على المضي في الحوار وعدم فتح أبواب حوار جانبي ، يدور حول النكوص على الوعود في حال توفر القدرة على الجهاد ، أو زوال موانعه ، أو توفر مقدماته . 


أولا : الحكم بغير ما أنزل الله : 
جاء في كتاب "الجامع في طلب العلم الشريف " للدكتور سيد إمام الشريف : " أن من صلى وصام لله وأعطى حق التشريع أو الحكم لغيره أو تحاكم لغير شريعته فقد عَبَد الله وعَبَد غيره، وهو بهذا مُشرك كافر ليس بمسلم، وهذا هو الشأن في المجتمعات الجاهلية المعاصرة يصلي الناس ويصومون لله وهم مع ذلك يعطون حق التشريع لغيره وهذا شرك في الربوبية، ويحكمون ويتحاكمون إلى غير شرع الله وهذا شرك في الألوهية. ودساتيرهم تُفصح عن هذا الكفر غاية الإفصاح، فيقولون:
* (يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع) انظر على سبيل المثال (مادة 86 من الدستور المصري).
* و (الحكم في المحاكم بالقانون) انظر على سبيل المثال (مادة 165 من الدستور المصري).
* و (لاجريمة ولاعقوبة إلا بناء على قانون) انظر على سبيل المثال (مادة 66 من الدستور المصري).
* و (مباديء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع) انظر على سبيل المثال (مادة 2 من الدستور المصري) " ويضيف الدكتور نصا : "وهذا النص الأخير من أعظمها كفراً، فإنه ينص على اتخاذ آلهة أخرى مع الله، فإن التشريع حق لله وحده ــ كما سبق بيانه ــ ومعنى أن شريعته الإسلامية هى المصدر الرئيسي ــ ليس الوحيد ــ للتشريع معناه أن هناك مصادر أخرى للتشريع وأن هناك آلهة أخرى يتلقى عنها التشريع مع الله تعالى، ولهذا فإنه لايغفر لهؤلاء كون قوانينهم الوضعية تحتوي على بعض الأحكام الشرعية ــ فيما يُسمى بالأحوال الشخصية أو غيرها ــ هذا لايَغْفر لهم مع اتخاذهم قوانين غير شرعية، وبهذا تعلم أن قولهم (الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع) يعني أنه (لا إله رئيسي إلا الله) لأنهم يتخذون آلهة أخرى مع الله يعبدونها بالتحاكم إليها من دون الله ". 

إنتهى الإقتباس ، والآن ونحن في مقدمة مراجعات فكرية معتبرة ، هل نسمع من الشيخ وجوقة الترويج التابعة له ، كلاما جيديا في هذا الموضوع ، لأن هذه القضية هي بإختصار صلب الموضوع وعموده الفقري . خاصة إن قرأنا نص ما أورده الرجل في نهاية كلامه في هذا الموضوع كتنبيه للقارئ ، يقول إمام : " وأحـب أن أنبّه القـاري على أن المـادة الدستـورية الكفـرية السابقـة (مبـاديء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع) لاتوجب على واضعيها الالتزام بأي قانون إسلامي، فإنها نصت على الالتزام بمباديء الشريعة لاقوانين الشريعة وبينهما فرق يقرره سدنة القوانين الوضعية الكافرة إذ يقولون إن مباديء الشريعة هى الحق والعدل والمساواة وأن الأصل براءة الذمة ونحوها وأن هذه المباديء تكفلها القوانين الوضعية. وبهذا تعلم أن هذه المادة لايترتب عليها أي التزام بتحكيم الشريعة. 


فهذا التشريع من دون الله والحكم والتحاكم بغير شرعه هو اتخاذ الأنداد من دون الله وهو الكفر بعينه . ويضيف إمام كخلاصة لموضوعه ما نصه :" أن المقصود من إيراد هذه المسألة التنبيه على أن مسائل التشريع والحكم والتحاكم ليست من مسائل الأحكام الفرعية بل أنها متعلقة بصلب التوحيد وداخلة في أصل الإيمان، وعلى هذا فإن الخلاف بين فعلها وتركها ليس مجرد خلاف بين الحلال والحرام وإنما هو خلاف:
* بـين الإيـمــان والكفــر.
* وبين الإسلام والجاهلية.
* وبين التوحيد والشرك.
* وبين أن يكون (لا إله إلا الله) أو أن تكون هناك آلهة أخرى للخلق مع الله "


ثانيا : دار الإسلام ودار الكفر:
يحدد سيد إمام الشريف، في هذا المبحث من كتابه " الجامع في طلب العلم الشريف " الأدلة الفارقة بين داري الكفر والإسلام ، ودار الردة ، فيقول:" أن دار الإسلام هى البلاد الخاضعة لسلطان المسلمين وحكمهم، وأن دار الكفر هى البلاد الخاضعة لسلطان الكافرين وحكمهم " فالسلطان المسلم يطبق أحكام الإسلام وإلا لما كان مسلماً، والسلطان الكافر يطبق أحكام الكفر. وبهذا يكون مناط الحكم على الدار هو نوع الأحكام المطبقة".

 ويأتي بمثالين يوضحان فكرته "خيبر" بعد فتح النبي لها حيث اصبحت دار إسلام برغم أن ساكنيها جلهم من اليهود، لأنها تعلوها أحكام الإسلام، ومكة قبل الهجرة، دار كفر، على الرغم من سكن النبي بها ، لأنها كانت تعلوها أحكام الكفر . وفي معرض تفنيده لوجهة النظر المخالفة له يقول الرجل : "وقد أخطـأ البعـض في هذا المـقـام فظـنـوا أن إقامة كثير من المسلمين ببعض البلدان مع أمنهم وقدرتهم على إظهار شعائر دينهم كالأذان والصلاة والصوم وغيرها كاف ٍ في اعتبار البلد دار إسلام، حتى قال البعض: كيف تقولون إن البلد الفلاني دار كفر وفي عاصمته مايزيد عن ألف مسجد؟ وهذا كله لا اعتبار له وقد بيّنا أن مناط الحكم على الدار هو اليد الغالبة عليه والأحكام الجارية فيه، وماعدا ذلك  من الأوصاف فلا اعتبار له في الحكم على الدار " .

 ويخلص الشريف صراحة الى اعتبار البلدان العربية والإسلامية "دار ردة " ويعرفها على أنها : " فرع من دار الكفر الطارئ، وهى التي كانت دار إسلام في وقت ٍما ثم تغلّب عليها المرتدون وأجروا فيها أحكام الكفار، مثل الدول المسماة اليوم بالإسلامية ومنها الدول العربية. وقد مرت معظم هذه الدول بمرحلة كونها دار كفر طارئ عندما استولى عليها المستعمر الصليبي وفرض عليها القوانين الوضعية ثم رحل عنها وحكمها من بعده المرتدون من أهل هذه البلاد" .


وهنا يأتي سؤالنا : هل ما زال الرجل يوصف ديارنا على أنها ديار ردة ؟ وهل مازال مفهومه لإطلاق مصطلح "بلاد المسلمين " الذي ما زال يستخدمه في الوثيقه ، يعني – كما حدد هو – الديار التي يغلب على سكانها المسلمون ، ولكن يعلوها أحكام الكفر ؟ . ولا يفرحنا هنا كونه يمنع الخروج فيه على الحكام أو الجهاد لافتقاد القدرة والمنعة ، ولعلة الاستضعاف ، خاصة عندما يحين وقت إدماجه في العملية السياسية والإجتماعية بعيدا عن قبضة أجهزة الأمن . فهل من جواب ! .

 
ثالثا : نقد القائلين بعدم إثبات الكفر إلا بالجحود :
هل ما زال صاحبنا يؤمن بما عابه على الجماعة الإسلامية المصرية ، عندما أكدت " أن الممتنـع عن الحكم بالشريعة لا يكفر إلا بالجحود " وذلك في كتابها (القول القاطع) ، وهل ما زال يعتبر الحاكم الذي لا يحكم الشرع ، كافرا ، ولو كان معذورا بظرف هنا أو هناك ، وهو ما قالت به الجماعة الإسلامية ، التي جعلت الجحود بالشريعة شرطا للكفر ، فضمها الى غلاة المرجئة .


رابعا : نقد القائلين بعد كفر الطائفة الممتنعة :
هل ما زال الدكتور يؤمن بما عابه على الجماعة الإسلامية ، من التوقف لدراسة حال المعين من الطائفة ، وعد تكفيره على التعيين إلا إذا ثبت عليه "الكفر الباطن" كما جاء في الرسالة الليمانية لطلعت فؤاد قاسم ، وهو ما خالفه الدكتور وجعل الكفر صفة أصيلة للمعين ، على التعيين ، حتى وإن ثبت أن موالاته ظاهرة ، أو هي قيام بوجبات الوظيفة ، كضباط الجيش والشرطة الذين يحمون النظام ، ويمنعونه من ثورة الجماعات الجهادية .


خامسا : أحكام أهل الذمة :
هل ما زال برنامج صاحبنا ، وجماعته ، يقضيان – كما ورد في مؤلفه " الجامع"- بأن : " جـرى عليه العمـل بشـأن أهـل الذمـة في ديار الإسلام هو إلزامهم بدفع الجزية (وهى مبلغ من المال يدفعه الرجال البالغون منهم سنوياً) وجريان أحكام الشريعة عليهم وإلزامهم بالشروط العمرية أو العهد العمري، وذلك مقابل إقامتهم في دار الإسلام مع أمنهم على أنفسهم وأموالهم". 


وهل ما زال يعتقد بأن نص الشروط العمرية ، التي أغفلها كافة الفقهاء المحدثين ، وشكك بعضهم في معظمها هو ما أورده في كتابه السابق الإشارة إليه بالنص التالي ، على لسان النصارى  : " أنا شرطنا لك ( المقصود الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ) على أنفسنا ألا نحدث في مدينتا كنيسة، ولا فيما حولها ديراً ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا نجدد ماخرب من كنائسنا ولا ماكان منها في خطط المسلمين، وألا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، ولا نأوي فيها ولا في منازلنا جاسوساً، وألا نكتم غشاً للمسلمين، وألا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفياً في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليباً، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون، وألا نخرج صليباً ولا كتاباً في سوق المسلمين، وألا نخرج باعوثاً ــ قال: والباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر ــ ولا شعانين، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وألا نجاورهم بالخنازير ولا ببيع الخمور، ولا نظهر شركاً، ولا نرغّب في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً، ولا نتخذ شيئاً من الرقيق الذي جرت عليه سهام المسلمين، وألا نمنع أحداً من أقربائنا أرادوا الدخول في الإسلام، وأن نلزم زيّنا حيثما كنا، وألا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فَرْق شعر ولا في مراكبهم، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نكتنى بكناهم، وأن نجز مقادم رؤوسنا ولا نفرِق نواصينا، ونشد الزنانير على أوساطنا، ولا ننقش خواتمنا بالعربية، ولا نركب السروج، ولا نتخذ شيئاً من السلاح ولا نحمله، ولا نتقلد السيوف، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم ونرشدهم الطريق، ونقوم لهم عن المجالس إن أرادوا الجلوس، ولا نطلع عليهم في منازلهم، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا يشارك أحد منا مسلماً في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام ونطعمه من أوسط ما نجد. ضَمنا لك ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكيننا، وإنْ نحن غيَّرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا، وقَبِلْنا الأمان عليه، فلا ذمة لنا، وقد حل لك منّا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق".


وهل ما زال الرجل يؤمن بما خطه في كتابه "الجامع" فيما يتعلق بأحكام أهل الذمة ونصه : "
وبإسقاط الجزية عن أهل الكتـاب وبمساواتهم بالمسلمين بما يعني مخالفة الشروط العمرية يكون عهدهم قد انتقض وعادوا كفاراً محاربين. وسواء كان انتقـاض عهد الذمة من جهتهم أو من جهة الحاكم الكافر كما صنع الخديوي سعيد ومن تلاه في حكم مصر، فإن هذا لا يؤثر في النتيجة، فالكافر لا يعصم نفسه وماله من المسلمين إلا أمان معتبر من جهتهم، فإذا عدم الأمان سقطت عصمته" .


أسئلتنا كثيرة ، ومخاوفنا عظيمة ، ورغبتنا في الحوار المجتمعي الجاد ، الذي يسعى لإدماج الإسلاميين في الحياة السياسية والاجتماعية ، لا تشوبه شائبة ، ولكن تظل الإجابة على هذه الأسئلة هي المدخل الحقيقي – من وجهة نظرنا – لإقامة حوار جاد وموضوعي ، يسعى لمراجعة حقيقية لعشرية مهمة من الدم ، مع تقديرنا الكامل بكافة المجهودات التي قامت بها أجهزة الأمن إذ لولاها ، ما سطرنا هذه السطور ، وما جرؤنا على فتح مثل هذا الحوار ، وسط أزيز الرصاص .