من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: العمل في جيش وشرطة العراق بين علماء المسلمين وفقهاء القاعدة
نُشر هذا المقال بجريدة نهضة مصر بتاريخ الثلاثاء 23 مايو 2006
حثّ الدكتور يوسف القرضاوي العراقيين السنة علي التطوع في الأجهزة الأمنية، معتبرًا أن العزوف عن هذا الأمر سيؤدي إلي استيلاء "جهات غير نزيهة" علي تلك الأجهزة.
ففي حلقة برنامج "الشريعة والحياة" التي بثتها قناة "الجزيرة" الفضائية مساء الأحد قبل الماضي، سُئل الشيخ حول حكم التطوع بالجيش والشرطة العراقية في الوقت الذي يرزح فيه العراق تحت نير الاحتلال.
وخلال إجابته، لم يكتفِ الشيخ بالتأكيد علي شرعية الالتحاق بتشكيلات الجيش والشرطة، وإنما طالب سنة العراق بـ "عدم التردد في التطوع بها حتي يفوّتوا فرصة استيلاء جهات غير نزيهة علي هذه الأجهزة الأمنية الحساسة".
ودعا القرضاوي في الوقت نفسه شيعةَ العراق إلي "إفساح المجال أمام السنة للانخراط في الأجهزة الأمنية؛ حتي يتمكنوا من نيل شرف المشاركة في حفظ الأمن في بلادهم والدفاع عنها".
فتوي سابقة:
وتأتي فتوي القرضاوي في إطار المجهودات التي تبذل من قبل عدد كبير من علماء المسلمين لإثناء أغلب العراقيين السنة عن قرارهم بالإحجام عن التطوع في الأجهزة الأمنية.
وقد سبق فتوي الشيخ فتوي مماثلة صدرت في إبريل 2005عن أكثر من 64 عالمًا من علماء الدين السنة وكبار أئمة المساجد بالعراق أجازوا فيها الانخراط في صفوف الجيش والشرطة أيضا. وجاء في الفتوي أنه "لأجل الحفاظ علي أرواح المواطنين وممتلكاتهم وأعراضهم، ولأن الجيش والشرطة صمام الأمان، وأنه جيش الأمة كلها وليس ميليشيات لجهة أو فئة خاصة.. أصدرت مجموعة من العلماء والأساتذة المخلصين فتوي بدعوة أبناء شعبنا إلي الدخول في صفوف الجيش والشرطة".
وأكد العلماء في فتواهم علي ضرورة مراعاة عدة أمور، منها: "أن تكون النية خالصة لله تعالي، وأن يحرص (المتطوع) علي خدمة دينه وبلده وأبناء شعبه، وألا يكون عونًا للمحتل علي أبناء جلدته".
وأوضحوا أن "أمن البلاد والعباد واجب لا يتحقق في الوقت الحاضر إلا بتشكيل الشرطة والجيش من العناصر النزيهة المخلصة".
التشابه في الفتوتين واضح، الأولي شددت علي أهمية إنخراط السنة في صفوف الجيش والشرطة مشددة علي تفويت الفرصة علي جهات غير نزيهة للإستيلاء علي هذه الأجهزة الأمنية الحساسة، والثانية أشترطت عدم مساعدة أعضاء القوات العراقية لقوات الاحتلال ضد المدنيين العراقيين.
وعلي الرغم من الاشتراطات والمحاذير التي وضعتها تلك الفتاوي فلم ترق لكوادر تنظيم القاعدة والمتعاطفين معه من التنظيمات المسلحة العراقية.
رفض للفتوي:
ففي بيان نشره أحد المنتسبين الي تلك التنظيمات علي شبكة الإنترنت وقعه باسم "حسين بن محمود"، انتقد الرجل فتوي القرضاوي الأخيرة معترفا بإمكانية أن تنطلي علي العامة في العراق نظرا لأنها تختلف عن أختها التي أفتي فيها القرضاوي بجواز انخراط المسلمين في أمريكا بالجيش الأمريكي ومشاركته في حربه ضد "الإرهاب"، فالثانية واضح مخالفتها لعقيدة الولاء والبراء باسم المصلحة الفردية الممزوجة بالقومية والقطرية!!
أما هذه الفتوي التي نحن بصددها فلها ما يبررها من الناحية النظرية: إذ أن الشرطة في العراق أصبحت تحت سيطرة الرافضة (شيعة النصاري)، والشيخ ومن أفتي بهذه الفتوي أرادوا قطع الطريق علي الرافضة وإيجاد حالة من التوازن العسكري بين أهل السنة والرافضة حتي لا ينفرد الرافضة بالقوة العسكرية في حال انهزام النصاري وهروبهم من العراق.
وأضاف الرجل "نستطيع أن نقول ــ ومن الناحية النظرية ــ بأن هذه الفتاوي ظاهرها لها وجه شرعي يراعي المصلحة العامة لأهل السنة في العراق، ولكن يبقي التطبيق ويبقي الواقع العملي علي الأرض العراقية حيث توجد أوضاع وحيثيات كثيرة تؤثر علي منطقية هذه الفتوي وجدواها".
وعلي الرغم من أن القاعدة تري من حيث الشكل ضرورة وأهمية وجود قوة عراقية سنية تحمي المسلمين في العراق، إلا أنهم يراوغون في القول باستحالة تواجد مثل هذه القوة في ظل الظروف الراهنة، تحت سقف الشرطة أو الجيش العراقيين.
ويضرب رجل القاعدة بما حدث في الفلوجة مثلا لما يريد توضيحه، مشددا علي أن العدد الكبير الذي تطوع للدفاع عن المدينة تحت راية الشرطة والجيش، تم ترحيلهم وتشتيتهم بين المدن لكي لا تكون لأهل السنة شوكة تحت لواء الجيش في أي مدينة من مدن العراق، وكأن المطلوب أن تصنع كل مدينة سنية جيشها وشرطتها السنيين، وأن تصنع كل مدينة شيعية جيشها وشرطتها من الشيعة.
ولكن هل من سند شرعي لهؤلاء؟
إذا جنبنا الشيخ القرضاوي وعلماء العراق فعلي ماذا يعتمد هؤلاء المجانين في فتواهم؟ هم يعتمدون علي هذا المعتوه وأمثاله من فقهاء التنظيم الذين يعتبرون، أن الرجل العراقي المسلم القادر علي حمل السلاح في العراق لابد له من الجهاد في سبيل الله وصد العدو الصائل عن البلاد، وقتال الشيعة من أبناء جلدته، الذين يسمونهم هم بالروافض، ثم يؤكدون دون أدني خجل من أنفسهم ومما قاله شيوخ كبار كالقرضاوي وكبار علماء السنة بالعراق أن: "هذا هو ما اتفق عليه كل من يعتد به من علماء المسلمين، وعليه دلت نصوص الكتاب والسنة".
بالطبع هم لا يشيرون الي هؤلاء العلماء الذين يعتد بهم بخلاف القرضاوي، وكبار علماء السنة العراقيين.
بل أنهم يطعنون في الشروط التي وضعها علماء العراق بالقول: "إن الشروط التي وضعها الأخوة الـ (64) غير منطقية وغير واقعية ولا يمكن تحقيقها في العراق الآن، وهذا ما لا يجهله أهل العراق ولا من يتابع أخبار العراق، فإن حقق المتطوع الإخلاص فإنه لا يمكن قطعا من خدمة دينه وبلده وأبناء شعبه، ولابد أن يكون عونا للمحتل علي أبناء جلدته بتكثير سواء الكفار علي أقل تقدير".
ماذا يريد هؤلاء الناس؟
هم يريدون قوة سنية تتمركز في مدن السنة وتواجه ما يطلقون عليه "الرافضة" في إشارة الي الشيعة العراقيين. وبجملة واحدة يريدون إشعال حرب أهلية حقيقية في العراق، يدفع المواطن العراقي ثمنها كاملا. فهل هذا كلام يعقل، الغريب أننا نجد في النهاية من يستمع لهم ويصدقهم ويساعدهم في تدمير بلده وأمته. وحسبنا الله ونعم الوكيل!!.