من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: تنظيم "الطائفة المنصورة" .. انتبهوا أيها السادة
نُشر هذا المقال بجريدة نهضة مصر بتاريخ الثلاثاء 25 أبريل 2006
كشف قيادي الخلية الإرهابية المعروفة بإسم " الطائفة المنصورة", التي ضبطتها أجهزة الأمن المصرية الأسبوع الماضى, فى التحقيقات التى أجرتها معه نيابة أمن الدولة العليا، أن التنظيم كان يستهدف ضرب عدد من الأهداف الأمريكية والإسرائيلية داخل مصر, انتقاما لما يحدث للمسلمين في العراق وفلسطين.
وجاء بيان وزارة الداخلية محذرا من أن "تكوين بؤر إرهابية فا مصر، أصبح يمثل خطرا داهما فى الفترات الأخيرة، وذلك بما أتسم به من تلقائية وعشوائية، إنطلاقاً من افكار متطرفة منحرفة بعيدة عن صحيح الإسلام، ومن إستجابة خاطئة وشاذة لتداعيات الأحداث الدولية والإقليمية".
بيان الداخلية واعترافات المتهمين فى القضية أكدا على شئ مهم ربما تكشف عنه الأيام القليلة القادمة ، وهو وجود عدد من الخلايا الأخرى التى تم ضبطها ولم يعلن عنها بعد ، والتى ربما تسير فى نفس السياق الذى كانت تسير فيه جماعة "الطائفة المنصورة" كما كشف بيان الداخلية عن وجود تربة خصبة لنمو تلك البؤر ، إنطلاقا من التعاطى السلبى مع المتغيرات الدولية والإقليمية .
الخطير فى بيان الداخلية واعترافات المتهمين، أن الجماعة الجديدة أتخذت من مسلك وسيرة أبومصعب الزرقاوى زعيم قاعدة الجهاد فى بلاد الرافدين ، مثلا يحتذى فى الجهاد. والأخطر أن بعضهم حاول التجاوب مع تلك الجماعات الخارجية ومع مواطنين أجانب – لم يتم الإعلان عن هوياتهم - عبر الإتصال بهم على هواتفهم النقالة ، ومحاولة تجنيد عناصر للسفر الى مناطق التوتر فى العراق، وإستلام مواد خاصة بكيفية صناعة وإستخدام المتفجرات عبر البريد الإلكترونى.
الخطورة هنا تكمن فى إعتراف جهاز الأمن المصرى – ربما للمرة الأولى – بتأثير تنظيم القاعدة على الشباب المصرى المحبط والساعى الى ردة فعل تستخدم العنف تجاه ما يحدث فى العراق وفلسطين. إن الإنتباه المبكر لهذه الظاهرة كان من الممكن أن يمنع أحداثا كبرى كتفجيرات طابا وشرم الشيخ، فقد سبق هذه الأحداث محاولات مستمرة من بعض الذين تأثروا بفكر القاعدة لمجاراة أفكار ومنهج التنظيم فى العمل ونقلها بحذافيرها على الساحة المصرية، فى غيبة تامة من كافة الأجهزة المعنية.
فالتحقيقات التى تلت تفجيرات طابا والتى بدأت فى نوفمبر 2004 لم تستطع أن تكشف عن وجود تنظيم "التوحيد والجهاد" الذى أعلنت نيابة أمن الدولة العليا ، عقب الإنتهاء من تحقيقاتها فى قضية تفجيرات شرم الشيخ – أى بعد ما يقرب من عام على طابا – أنه المسئول عن التفجيرين .
هذه الحقائق حول إنتشار فكر القاعدة ومنهجها بين الشباب الغاضب والساخط فى مصر – ورغم الإعتراف المتأخر به - تدق ناقوس الخطر ، خاصة فيما يتعلق بتعامل الإعلام المصرى مع الأحداث الإقليمية ( وبخاصة ما يحدث فا فلسطين والعراق ) ، كذا تجنب التليفزيون المصرى للحديث عن هذه التنظيمات الإرهابية وأفكارها ومنهجها فى التعامل مع قضايا الأمة ، وجدوى تلك المناهج ، وذلك لتبصرة الشباب بخطورة الإنجرار وراء تلك الأفكار .
إن التجاهل المطبق للإعلام المصرى ، وفى مقدمته التليفزيون المصرى ، لهذه الظاهرة بمنطق أنها "تابو" لا يجوز الإقتراب منه تكشف عن عجز واضح للقائمين على ذلك الجهاز الهام من اجهزة الدولة ، عن وضع تصور واضح لمعالجة ظاهرة من أخطر الظواهر ، خاصة بعدما بدأت فى الدخول الى نطاقنا الجغرافى لتؤثر فى شبابنا .
إن السكوت على هذه الظاهرة سيكلف مصر الكثير ، فالتنظيمات المحلية التى كانت تعمل فى تسعينات القرن الماضى فى مصر ( كالجماعة الإسلامية والجهاد ) كانت لها أهداف واضحة ، ومنهج عمل معلن ، وطرق فى التجنيد محفوظة ، ومناطق جغرافية محددة ، وتمويل واضح ، وسبل فى التدريب معروفة . ولكن البؤر الإرهابية الجديدة لا تتميز بواحدة من تلك الميزات .
فهى بؤر عشوائية التكوين ، تلقائية الإهداف ، مربوطة بفكر وتمويل خارجى ، تتأثر بالعوامل الدولية أكثر مما تتأثر بالعوامل المحلية ، يصعب تقفى أثر المجموعة ، فى حال القبض على أخواتها . الأمر الذى يصعب من مهمة جهاز الأمن بشكل كبير . كما إن إنتشار هذه الخلايا فى المناطق التى تعانى من مشاكل إجتماعية متفاقمة كالزاوية الحمرا وكوسيكا وطرة وحلوان ، يجعل من جهاز الأمن آخر من يجب عليه التدخل لحد من تكوين تلك المجموعات ، وتجفيف المنابع التى تغذيها ، ويلقى على أجهزة الدولة الأخرى فى مصر المحروسة المسئولية الأكبر ، فالحزب الحاكم عليه دور كبير فى شرح المواقف المصرية من القضايا العربية والدولية ، وأهدافها ودوافعها والنتائج التى تؤدى إليها ، وكذا وزارة الإعلام عليها دور فى توصيل الرسالة الإعلامية التى تتضمن دحض تلك الأفكار وبيان مغالطتها للواقع وكشف نتائجها المدمرة على المجتمع برمته ، عبر برامج جادة ومتقنة تجيد توصيل الرسالة المطلوبة وليس العكس .
إن وزارة الداخلية مشكورة ليس عليها سوى المتابعة الأمنية وإعتقال من يثبت تعاطيه مع العنف . ولكن ما كشفت عنه الأحداث التى مرت بمصر فى العامين الإخيرين يثبت بالدليل القاطع وجود تقصير ملحوظ من كافة الأجهزة المعنية فى الدولة – بما فى ذلك أحزاب المعارضة والسياسيين والكتاب والمفكرين – فقد كشف بيان الداخلية – على سبيل المثال - أن خمسين فى المائة من المجموعة المقبوض عليها من طلاب الجامعة ، وهذا يطرح السؤال ، أين أساتذة الجامعات ؟ وأين دورهم المفترض فى تصحيح عدد من المفاهيم المغلوطة وتوضيح المواقف الغامضة أحيانا ، التى تخص بعض القضايا السياسية ، خاصة ما يتعلق منها بسياسة مصر الخارجية ، إذ بدون هذا الدور سيكون من المستحيل منع تاثير وتأثر شباب الجامعات بتلك الأفكار التى تأتى عبر فضاء الإنترنت ، بإعتبارهم أكثر الفئات تعاطيا مع شبكة المعلومات الدولية .
أن الوضع جد خطير وبيان وزارة الداخلية المصرية واضح ، وهو يدق ناقوس الخطر ، فالمعطيات الدولية والإقليمية المحيطة بمصر والإحتقان الداخلى ، يدفع فى إتجاه تكوين العشرات بل المئات من تلك الخلايا ، التى تستهدف ضمن ما تستهدف إقتصاد مصر ووحدتها الوطنية ، أى العمود الفقرى للبلاد . ويظل مطالبة أجهزة الأمن المصرى بالتصدى منفردة لتلك الظاهرة – نمو خلايا العنف والإرهاب - فى غياب من كافة أجهزة الدولة ، تحميل لها بما لا يحتمل ، فهل تفيق أجهزة الدولة والمجتمع بكافة فئاته أم ننتظر الكارثة . اللهم بلغت اللهم فاشهد !