من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: شكاوى الإسلاميين من "التجاهل" الأمريكي
نثشر هذا المقال بجريدة نهضة مصر بتاريخ الأحد 22 مايو 2005
كثر الحديث هذه الأيام في أوساط النخبتين المصرية والعربية حول إمكانات الحوار بين إسلاميي المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية، شجع علي هذا الحديث التصريحات الأمريكية المتتالية التي أشارت إلي رغبة الولايات المتحدة في إقامة مثل هذا الحوار متعدية ذلك إلي القول بعدم ممانعتها لوصول فريق من هؤلاء الإسلاميين "نعتتهم بالمعتدلين" إلي السلطة في بلدانهم.
وقد كلفتني شبكة إسلام أون لاين نت بإجراء عدد من الحوارات مع شخصيات إسلامية متعددة في أكثر من بلد عربي لمعرفة توجهات ما يسمي بالإسلاميين المعتدلين تجاه مثل هذا الحوار.
المفاجأة كانت وجود اختلافات بينية عميقة فيما يتعلق بالقبول بإجراء مثل هذا الحوار وكذا فيما يتعلق بالهدف الأمريكي الذي تتصوره كل جهة من وراء الحوار.
* رغبة شعبية:
استوقتفني في البداية رغبة شيعية حقيقية في إقامة مثل هذا الحوار، بخاصة عند هؤلاء الذين ليس لديهم مشاكل آنية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
فقد أكد الشيخ حسن الصفار أحد أهم الزعامات الشيعية في منطقة الخليج وبخاصة في المملكة العربية السعودية علي مبدأ عدم رفض الحوار مع أي طرف أو جهة، مشددا علي ضروة أن يتخذ الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا منحيين:
الأول: عموم الموقف الأمريكي من قضايا الإسلام والمنطقة، حيث لا يجوز ـ في هذا السياق ـ تفويت أي فرصة لإسماع الأمريكيين والأوروبيين رأي الجهات الإسلامية، لما لذلك من أثر في تعديل سياساتهم ومواقفهم من هذه القضايا خاصة إذا جاء رأي الجهات الإسلامية ذات الوزن والتأثير في المنطقة منطقيا وعقلانيا تجاه تلك القضايا.
الثاني: في خصوص وضع بلد إسلامي معين وهنا لابد من دراسة الموقف ضمن خصوصيته، فالوضع في العراق أو لبنان مثلا يختلف عن الوضع في مصر أو المملكةالعربية السعودية، وعلي كل جهة إسلامية تدعي للحوار حول الشأن الوطني أن تدرس الموقف علي ضوء الواقع السياسي في دائرة نشاطها.
وحول الدافع نحو هذا التغيير الاستراتيجي في السياسة الأمريكية تجاه الحركات المعتدلة قال الصفار: إن تجاهل الأمريكيين للقوي الإسلامية في المنطقة كان خطأ استراتيجيا كبيرا، نتج عن الجهل بمدي نفوذهم وتأثيرهم، أو لسيطرة اتجاهات أيديولوجية عنصرية مناوئة للإسلام، ومن هنا فعلي الإسلاميين أن يتعاملوا مع هذا التوجه الأمريكي الجديد بجدية شديدة.
في نفس السياق، اختلفت رؤية قيادة شيعية أخري في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بدوافع الحوار، يقول الإمام محمد مهدي الخالصي أحد أهم أئمة الشيعة في العراق: إن دوافع الحوار الذي تريده الإدارة الأمريكية مع من تسميهم "الإسلاميين المعتدلين"لا تتجاوز إطار التحالف لتنفيذ الأجندة الأمريكية الداعمة للمشروع الصهيوني في المنطقة مشددا علي أن تقسيم المسلمين إلي " متطرفين" و"معتدلين" ما هو إلا تكتيك صهيوني لضرب المرتكزات النشطة في التحرك الإسلامي باسم "المتطرفين".
تحت عنوان "مكافحة الإرهاب" وتحييد الشطر الآخر منهم باسم "المعتدلين" إلي حين ضربهم وتصفيتهم بعناوين أخري، منها "الحوار". ويري الخالصي أن أمريكا لا تريد من وراء هذا الحوار سوي اقتناص العناصر الرخوة التي تساعدها في إنشاء إسلام أمريكي، مزيف يخدم المشروع الصهيوني ويستخدم للتترس به في الحرب علي الإسلام.
تلك كانت رؤيتان شيعيتان للحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية ولكنهما متناقضتان، والسبب يرجع إلي موقع كل رؤية علي خريطة التعاطي مع المشاريع الأمريكية، ولكن ظني أن فهم هذا الاتجاه وذاك وموقفه من التعاطي مع قضية الحوار يضئ الطريق نحو الإجابة علي السؤال المفترض.
* السنة أيضا مختلفون:
ولا يقف الأمر عند الشيعة وإنما يمتد الخلاف من قضية الحوار ليشمل السنة أيضا، ففي الغرب العربي لا يجد الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان ـ أحد أهم الحركات الإسلامية هناك ـ غضاضة في إجراء حوار مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، مطلبه الوحيد هو مراعاة خصوصية كل طرف في الحوار. يقول فتح الله أرسلان: "نحن لدينا استعداد أصيل للقبول بالآخر، ومراعاة خصوصياته، وقد خلقنا الله عز وجل شعوبا وأمما مختلفة وأمرنا بتغليب دواعي المسالمة علي نوازع الصراع والشرط الوحيد للقبول بمثل هذا الحوار أن يحترم الآخر خصوصيتنا الثقافية أثناء الحوار.
ويزيد أرسلان: أن الأمر أضحي أكثر إلحاحا في الواقع العالمي الذي أصبح فيه الكون قرية صغيرة مما يستدعي روح التعايش والشراكة ونبذ منطق القوة والابتزاز فالحوار لا يكتسب عمقه ومعناه إلا بوجود كيانات قائمة بذاتها، يسود الاحترام المتبادل كل العلاقات فيما بينهما.
ويأمل أرسلان أن يتعزز الحوار ويتوسع ليشمل المنطقة كلها وكل التيارات الإسلامية بها، فبهذا وحده يمكن للعالم أن ينعم بالاستقرار والأمن.
وبينما يري أرسلان ذلك تخالفه واحدة من أهم المثقفات الإسلاميات السعوديات المحسوبة علي النظام تقول سهيلة زين العابدين: كلنا يدرك أن الإدارة الأمريكية قد أعلنت حربا صليبية علي الإسلام، عبر رئيسها جورج بوش في أعقاب أحداث سبتمبر 2001، وأكدت ذلك التوجه بقيامها باحتلال أفغانستان وتمهيدها الآن لاحتلال سوريا ولبنان وإيران ثم يلي ذلك مصر والسعودية وهكذا فالإدارة اليمينية الحاكمة في أمريكا لا تري في الإسلام إلا متطرفيه، حتي القرآن الكريم بموجب رؤيتهم يحمل أفكارا متطرفة، وهم يخططون للقضاء عليه، فإن كان القرآن الكريم نفسه يحمل أفكارا متطرفة فكيف يؤمنون بوجود إسلاميين معتدلين يريدون التحاور معهم؟
وتضيف سهيلة: ومن جهتي أري أن رغبة الإدارة الأمريكية في إجراء حوار مع الإسلاميين المعتدلين يعكس محاولة أمريكا خلخلة التضامن الحادث بين الإسلاميين المعتدلين في المنطقة وبين حكوماتهم ضد الرؤية الأمريكية للإصلاح.
سهيلة هنا تعكس رؤية سعودية خاصة، لا تنطبق حتي علي رؤية الإسلاميين السعوديين أنفسهم، والتي رأينا تعبيرا مختلفا عنها عندما تعرضنا لرؤية الشيخ حسن صفار السابقة.
*الإخوان أيضا تيارات:
حتي فيما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين فلقد لاحظت وجود اتجاهات شتي داخل إخوان مصر وكذا فيما يتعلق برؤية فروعهم في المنطقة العربية فالمرشد العام لا يري مانعا من إجراء حوار مع الأمريكان ولكن في حالتين، الأولي أن تغير أمريكا من استراتيجيتها الخاصة بالشرق الأوسط والثانية: أن تصل الجماعة إلي السلطة في مصر فيكون حوارا بين دولتين.
علي الجانب الآخر لا يري الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ـ أحد أكثر أعضاء مكتب الإرشاد شعبية داخل الجماعة ـ أي جدوي من الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا التوقيت، ويرجع أبوالفتوح رؤيته تلك إلي أن الحوار مع أمريكا الآن لن يحقق أية مصلحة لمصر.
رؤيتان متناقضتان وجماعة واحدة ويمتد الاختلاف ليشمل فروع الجماعة في البلدان العربية حيث يري عبدالمجيد الذنيبات المفوض العام للجماعة بالأردن عدم وجود أي تغيير استراتيجي في سياسة أمريكا الخارجية تجاه المنطقة العربية، يدعو للقبول بالحوار معها أصلا، ولكنه يشدد علي أهمية الحوار مع المجتمع المدني الأمريكي، كوسيلة لتوصيل وجهات نظر الإسلاميين للشعب الأمريكي.
توجهات عديدة بشأن الحوار بين الإسلاميين والولايات المتحدة الأمريكية، ظني أنها تحتاج كثيرا من التمحيص قبل التوجه للإجابة علي السؤال المهم، هل يمكن إقامة حوار بين الطرفين؟