الخميس 21 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبد الرحيم على يكتب: الإخوان ومباراة حرق الوطن

نُشر هذا المقال بجريدة نهضة مصر الأربعاء11 مايو 2005

نشر
عصام العريان
عصام العريان


عندما أكد الدكتور عصام العريان – أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين فى مصر - لقناة الجزيرة أن ما يحدث في مصر فرصة لا يجب تفويتها ، كان يعى جيدا ما يقول بل لا أجافى الحقيقة إذا قلت أنه كان يعبر بصدق عن رأى الجماعة فى هذا التوقيت .

فقبيل هذا التصريح كان الرئيس مبارك قد اعلن عن قراره تعديل المادة 76 من الدستور ليتم إنتخاب رئيس الجمهورية – لأول مرة فى تاريخ البلاد - بين أكثر من مرشح ، وكعادة ذئاب السياسة أشتمت كل القوى السياسية - وليس الإخوان فقط - أن النظام جريح ، وبعضهم أفرط في الآمال وراح يروج لإحتضاره ، كانت الضغوط معلنة من قبل أمريكا بشكل خاص ، وكان المسئولون الأمريكيون يصرحون كل يوم بعدم رضائهم عن خطوات الإصلاح في مصر ، ووصل الأمر إلى مطالبة بعض اعضاء الكونجرس بربط المعونات الأمريكية لمصر بكيفية تعاطى النظام مع ملف الإصلاح السياسى.


أشتم الجميع رائحة الأزمة ، وبدأوا في اللعب عليها . وحدهم الإخوان المسلمون كانوا حاسمين في هذه القضية ، فالمباراة يجب أن تدار لنهايتها ، والخاسر يخرج من الملعب . التقط عدد من الرموز المحسوبة على النظام خطة الإخوان وقرروا اللعب معهم بطريقة جس النبض أولا ، ثم الهجوم لإحراز مزيد من الأهداف ، تجعل الشوط الثانى أكثر سهولة ، فالجميع كان يعلم أن هذا الشوط ليس كل المباراة ولكن إحراز مزيد من الأهداف فى هذا الشوط سوف يسهل كثيرا من مهمة أي من الفريقين فى الشوط الثانى ، وسيؤثر بالتالى فى إجمالى نتيجة المباراة ، حتى لو قام هذا الفريق بإستغلال الأرض والحكم ، فعلماء السياسة يصفونها بأنها فن الممكن ، والكابتن لطيف رحمه الله كان يردد دائما أن " الكورة أجوال " .


المهم أن الشوط الأول بدأ بين الفريقين ، الحكومة من جهة والإخوان من جهة أخرى ، بعد أن أنتهى فريق الحكومة من جس نبض فريق الإخوان وخرج بنتيجتين ، الأولى : أن الإخوان لن يراهنوا – على الأقل في هذا الشوط – على الخارج ، والثانية : أن مطالبهم من أجل تسهيل حصول فريق االحكومة على نتيجة تؤهله لصدارة المنافسة تعد كبيرة بالنسبة لموقعهم ضمن المنافسة ، فقد طلب فريق الإخوان ( سبعين نائبا في البرلمان القادم ، وتجميد العمل بقانون الطوارئ تمهيدا لإنهاء العمل به ، والسماح لهم بحزب مدنى سياسى على غرار العدالة والتنمية في تركيا والمغرب ، والإفراج عن كافة معتقليهم داخل السجون المصرية ) .


كان لا بد للحكومة بعد الوصول إلى هذه النتيجة ، أن تلعب الشوط الأول بخشونة شديدة في محاولة لإجبار الإخوان على التخفيف من غلوائهم .


بدأت بإعتقال عدد من عناصرهم عقب المظاهرة الأولى في ميدان رمسيس ، واصل الإخوان اللعب وردت الحكومة بإعتقال آخرين - بعد تحذيرات وصلت للمرشد العام من أكثر من جهة- . وفى هذه المرة وصل عدد المعتقلين إلى ألف معتقل ، لم يعد أمام الإخوان من خيار سوى الإستمرار في اللعب، فالتوقف عند هذا الحد يعنى الهزيمة الكاملة بكل معانيها ، وواصلت الحكومة - محمية بالأرض والحكم - نفس طريقتها في اللعب . 


أعتقادى الخاص – الذي لا ألزم به أحدا غيرى - أن الجماهير جميعا خارج حسابات الفريقين بشكل مطلق ، حتى وإن بدا من الفريقين عكس ذلك ، فكل منهما له أهدافه الخاصة وخطته الغير معلنة لأحد – بإستثناء الجهاز الفنى - . 


الإخوان يريدون تحسين شروط الهزيمة والحصول على مركز متقدم في دورى الفرق ( القوى السياسية) القادم والحكومة تريد تركيع الإخوان للقبول بشروط أكثر تواءما معها في الظرف الراهن .
رأيى أيضا أن الإخوان أنجرفوا فى هذا الإتجاه وتكبدوا كل هذه الخسائر دون خطة ما 
اللهم إلا من بند واحد متمثلا فى : "اللعب المزدوج " ، فهم يلعبون مع الحكومة وعينهم على الخارج ، ويغازلون الخارج وعينهم على صفقة مع الحكومة .


هل أصبت ! ربما ، ولكن مثل هذا النوع من الخطط دائما ما يدفع – وبخاصة في المجال السياسى - فى إتجاه الخسارة دائما ، وهو ما جربه الإخوان طوال تاريخهم ، فهم في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى كانوا يلعبون مع أحزاب الأقلية وعينهم على الوفد ويلعبون مع الوفد وعينهم على الملك ، ويلعبون مع الجميع وعينهم على الإنجليز ، وفى كل الأحوال كان الوطن والمواطنون المصريون خارج كل الحسابات.


ولكن هل حققت هذه اللعبة التي أستمرت مع عبدالناصر ومن بعده السادات ثم مبارك أهدافها ؟ .  ظنى أنها لم تحقق شيئا يذكر للجماعة ، اللهم إلا إذا أعتبرنا أن بقاء الجماعة على قيد الحياة طوال هذه السنوات هو الفائدة التى سعى لها قادة الإخوان منذ أكثر من ثمانين عاما وحتى الآن .


السيناريو يتكرر بحذافيره اليوم ، ولكن هل نسى الإخوان – كعادتهم دائما - أن الظروف مختلفة ، وأن المعادلة الحالية لا تطرح سوى بديلين ، إما أنك لديك رؤية لإخراج البلاد من أزمتها – وفق مفهومك – ولديك خطة وآليات لتنفيذ تلك الرؤية وإما أن تنسحب ولا تورط نفسك في حسابات خاطئة تدفع ثمنها وحدك في النهاية .


لقد أدرك عدد كبير من اللاعبين في ملعب السياسة المصرى هذه المتغيرات ، وبدأ بعضهم – حزب الوفد على سبيل المثال  – يطالب علنا بإجراء الإنتخابات الرئاسية هذه المرة وفق ما تنص عليه المادة 76 قبل التعديل ، إلى أن تتغير الظروف وتتبدل موازين القوى لتسمح بتغييرات حقيقية يجرى على أساسها منافسة شريفة ومنصفة . وأعلن التجمع – على ما بين الحزبين من تفاوت – ربطه لمشاركته في المعادلة السياسية القائمة بتدشين مناخ حقيقى لتعديلات جوهرية تتيح فرص تنافس حقيقية بين كافة القوى السياسية على كل المستويات .


أنه وضع يشبه محاولات القوى السياسية في وقت تصل فيه الأزمة ذروتها – لتنبئ بفوضى حقيقية –خلق وضع يشبه الفراغ الدستورى . حيث تترك قوى وحيدة لتسيطر على الملعب وتلعب بشكل منفرد ، فلا تجد في النهاية سوى مرماها لتحرز فيه الأهداف ، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى هزيمتها . 


لماذا ؟ لأن الواقع الجديد في العالم الآن لا يسمح باللعب بهذه الطريقة ، ويقر بضرورة وجود فرق متعددة في الملعب وإلا فإن النهاية المحتومة تدخل " الفيفا" وشطب إتحاد الكرة المعنى ، لذلك فسوف يضطر هذا الفريق إلى طلب إشراك كافة الفرق رغم أنفه، وفى هذه المرة وفق شروط الفرق المنافسة.
فهل يفهم الإخوان متغيرات المرحلة الراهنة ، أم يتمادون في بث رسائلهم المزدوجة فيحرقون الوطن ويحترقون .