السبت 23 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

“كنت أتوقع اغتيالي”.. نقاط فوق الحروف حول مشروعية التسجيلات

نشر
عبد الرحيم علي
عبد الرحيم علي


كنت أتوقع- بحكم عملي الطويل في بلاط صاحبة الجلالة- أن التسريبات أو التسجيلات التي سأقوم بإذاعتها عبر برنامجي "الصندوق الأسود" ستثير جدلا واسعا في الشارع المصري، توقعت أيضا تراشقا يصل إلى حدوده القصوى كجرنا إلى النيابات والمحاكم، توقعت حتى الاغتيال- سواء كان معنويا أو ماديا- جهزت نفسي لكل الاحتمالات، توكلت على الله واتخذت قراري، ناذرا نفسي لهذا العمل، امتدادا وتواصلا مع عمل، لا يقل عنه أهمية ولا خطورة، عندما واجهنا تنظيم الإخوان الإرهابي، وكل حلفائه في عز مجده ومجدهم، إلى حد الذهاب للنائب العام طلعت عبدالله، لتقديم بلاغ يتهم الرئيس المعزول محمد مرسي العياط بالتجسس، في السابع من ديسمبر عام 2012 ، ولم يمض على جلوس "مرسي" فوق كرسي الرئاسة سوى خمسة أشهر، بالمناسبة قدمنا ذلك البلاغ مستندين على تسريب وصلنا، عبارة عن مستند يفيد بأن جهاز أمن الدولة كان قد حرر محضرا يتهم فيه "مرسي" بالتجسس، وهو المحضر الذي بمقتضاه تم القبض عليه في 27 يناير 2011، وإيداعه سجن وادي النطرون، هو ومن معه من قيادات مكتب الإرشاد والمكاتب الإدارية، وهي القضية التي حكم على "مرسي" فيها بالإعدام مؤخرا.
نعود إلى التسجيلات، وهنا أود أن أتوقف عند عدد من الملاحظات، ولا أقول اعتراضات أو اتهامات، طالت ولم تزل تلك التسجيلات:
أولى هذه الملاحظات: كانت تتحدث عن مشروعية تلك التسجيلات، رغم أنني لست مسئولا عن تلك المشروعية بوصفي لم أقم بتسجيلها بالطبع، لكنني من باب المسئولية المشتركة أؤكد التالي:
1- هذه التسجيلات التي تتم إذاعتها، حتى الآن، تم تسجيلها بين شهري يناير ومايو 2011.
2- لم تكن في مصر في تلك الأيام لا دولة ولا شرطة ولا نيابة، فقد تم حرق واقتحام جميع أقسام الشرطة والنيابات.
3- في تلك الفترة تذكرون أننا كنا نتندر أنه في كل متر مربع في ميدان التحرير والميادين المختلفة، يقبع جهاز مخابرات أجنبي يعمل ضد مصر، وهو ما تم رصده بتفاصيل كثيرة ليس هذا وقت إعلانها ولكنها ستعلن عبر قضايا عديدة تنظرها المحاكم المصرية.
لكل ما سبق كان هناك رجال حاولوا ألا يمرروا ما يحدث دون تسجيله، ليكون وثيقة لمصر والمصريين، تتم محاكمة وحساب كل من أخطأ في حق هذا البلد الأمين، على ضوئها، قد يقول قائل ولماذا لا تتم المحاسبة حتى الآن؟ والرد أوردناه في أكثر من مقال وحلقة تليفزيونية، ولكن لا بأس من إعادته مرة أخرى، لقد قلت إنني عندما حصلت علي هذه التسجيلات قمت بإبلاغ نيابة أمن الدولة العليا، لأنني كنت أعلم أن هناك قضية يتم التحقيق فيها برقم 250 لسنة 2011 حصر أمن دولة عليا تقع تلك التسجيلات كأدلة اتهام أو على الأقل كقرائن ضمن أوراقها وتم التحقيق معي لمدة تسع ساعات كاملة، وسلمت ما لدي من مستندات، وأوردت ملاحظة في نهاية التحقيق معي تقول إنني استخدمت حقي كمواطن وسلمت ما لديّ للنيابة العامة، وسوف استخدم حقي- كإعلامي- في إذاعة ما أعتقد أنها مكالمات عامة تخص تحقيق تلك الفترة من تاريخ مصر وتوضيح ما جرى فيها للرأي العام وقد وفيت بوعدي.
الملاحظة الثانية: أن كل من يتحدثون ويصرخون أين القانون؟ وأين الدولة؟ نسوا- أو تناسوا- أن هناك أشخاصا تناولتهم تلك التسجيلات، ولجأوا للقضاء، وقد أنصفنا قضاء مصر العظيم وحكم ببراءتنا ثلاث مرات، وعندما لجأ البعض للقضاء الإداري ليوقف البرنامج حكم القضاء الإداري برفض الدعوى بعد تقرير رائع من هيئة المفوضين أقر باستمرار البرنامج، فهل بعد ذلك نجد من يتساءل أين القانون؟ متجاهلا تلك الأحكام التي هي عنوان الحقيقة، أم أن البعض أصابته آفة الإهمال قبل النسيان، فراح يتحدث ببجاحة يحسد عليها، دون حتى الإلمام بقدر ولو ضئيل من المعلومات حول القضية التي يتحدث فيها؟.
الملاحظة الثالثة: وتتعلق بإعلاميين زملاء يصرخون ليل نهار ضد إذاعة تلك التسجيلات علنا، ويشدون على أيادينا سرا عندما يقابلوننا أو يتحدثون معنا تليفونيا، وآخرون لم يتأخروا ثانية واحدة عندما وصلتهم تسجيلات مماثلة سواء للرئيس الأسبق مبارك أو مرسي العياط، فقد سارعوا بإذاعتها دون أن يتساءلوا عن مشروعية تلك التسجيلات أو قانونية اذاعتها وتعاملوا معها كمادة صحفية بغض النظر عما تحتويه من معلومات، في حين أجلس بالساعات لأدقق وأسمع حتى أجد ما يستحق أن يسمعه الناس وينير جزءا من تاريخ تلك الفترة، وأقسم بالله أنني لا أضع أمامي سوى الله وضميري ومصلحة بلدي، من وجهة نظري بالطبع، التي يمكن ان يختلف فيها معي الكثيرون في اختيار ما يذاع من تلك التسجيلات. 
الملاحظة الرابعة: وأقسم بالله مجددا أن ما أقوله صحيح، وأتمنى أن الاقي الله به وعليه يوم القيامة، إنني لم أتحصل على تلك المكالمات من الدولة أو أحد أجهزتها، أو أنها تأتيني فرادى حسب الموقف كما يردد البعض، إنما هي حزمة واحدة حصلت عليها بطريق الصدفة عبر رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، من حماية بلدهم، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا، ويوما ما ستظهر كل الحقائق، وسنضحك جميعا ملء أشداقنا عندما تفتح قضية القرن بحق وحقيق قضية مصر، القضية رقم 250 لسنة 2011 حصر أمن دولة عليا، ساعتها ستتفجر مفاجآت عديدة بعضها سار وبعضها مؤلم وساعتها سيعلق البعض على أعواد المشانق وستقام للبعض تماثيل في ميدان التحرير، ولكن ربما الوقت لم يحن بعد وربما القضية لم تستكمل أركانها، ولكنها حتما ستستكمل أركانها يوما ما، وساعتها ستعود كل الحقوق المسلوبة وسيخزي الله الظالمين.
أخيرا، لقد حاول كثيرون في الموسم الأول لإذاعة تلك التسجيلات إيقافنا عبر مذكرات لرئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور وقع عليها مائة من الشخصيات العامة يطالبون فيها بإيقاف البرنامج، مرورا بالهجوم على شخصي المتواضع عبر وسائل إعلام عديدة ومتنوعة ووصل الأمر إلى تقديم رئيس الوزراء آنذاك الدكتور حازم البلاوي ببلاغ للنائب العام يطالب فيه بوقف إذاعة تلك التسجيلات، وانتهاء بتهديدنا بالاغتيال- سواء المادي أو المعنوي- بالإضافة إلى ما أشرت إليه في الملاحظة الثانية من تقديم بعض ممن طالتهم تلك التسجيلات لبلاغات للنيابة العامة تمت إحالتها جميعا إلى المحاكم المختصة وحكم فيها جميعا لصالحنا، واستمر البرنامج حتى تحالف رجال المال والأعمال ضده وأوقفوه.
ويبدو أن البعض لم ييأس وبدأ يمارس ذات الاعتراضات بادئا من المربع "رقم واحد" كأنه لم يقرأ أو يعرف شيئا من قبل.
ولهؤلاء نقول: لن ترهبنا كلماتكم ولا بلاغاتكم وسنظل على الدرب سائرين محتسبين ما نقوم به عند الله، وهذا الشعب العظيم الذي ساندنا ووقف معنا منذ البداية وحتى الآن، وأرجو أن أقابل الله سبحانه وتعالى بما فعلت وأفعل يوم القيامة إن شاء الله، وفي النهاية فأنا مستعد لتحمل المسئولية كاملة، الآن وغدا وبعد غد، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.