من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: رفعت السعيد.. تباركتَ وتباركتْ أفكارُك
تواريخ من لحم ودم، تلك التي عتَقتنا، وكبرتنا، وزرعت فينا الرجولة، وحب الوطن. فهو واحدٌ من صناع تلك التواريخ البعيدة في الجسد، كان يزرع المسافة بين غرفته، (غرفة أمين اللجنة المركزية لحزب التجمع) وغرفة الأمانة العامة، في دائرية مفرغة .
لا يهدأ، لا يكل، لا يمل. في السابعة صباحًا.. تراه يصطحب أحد الزملاء القادمين من بعيد، من مكتبه إلى تلك الطرق الفسيحة، عندما تبدأ الكلام معه يشير لك إلى سقف الغرفة، في إشارة لوجود من يسمع ويسجل، كان صوتنا عالٍ وقتها، كنا صغارًا متحمسين لفكرة بناء وطن خالٍ من الفقراء، من صعيد مصر قَدِمنا نحلم بقاهرة المعز، حاضنة للحلم الاشتراكي، وكان رفعت السعيد، هو قبلتنا .
اختلفنا معه، وانتقدناه بشدة وأحببناه. قلنا فيه ما قال مالك في الخمر، لكننا عشقنا روحه “,”المريرة“,”. لم نكن ننتقده، كنا ننتقد ظروفًا منعتنا من تحقيق أحلامنا، أحلام وطن فقير، بلقمة عيش نظيفة، وكرامة إنسانية لعشاقه من الفقراء .
لم نأتِ من الطبقة الوسطى، كنا أبناء الفقراء ندّعي.. ولم نزّل، لم نتنكر يومًا لماضينا، ولا لأهالينا ولا لمعلمينا، ورفعت السعيد واحد من هؤلاء، بل أهمهم، بل أعظمهم على الإطلاق .
واحد وثمانون عامًا من العطاء والحب، ومضى الزمان به، ويمضي هو إلى حيث حلمه، مصر وطنًا دافئًا على الفقراء، من العمال والفلاحين، وأبناء الموظفين الصغار، أمثالي وأمثال أبناء جيلي جميعهم .
الاّن اعترف - كما اعترف لي من قبل، كل زملائي من متمردي اليسار - أننا نحبك بقدر ما كنا ننتقدك، ربما لأننا لم نكن نستطيع أن نسبق خطاك، أنت الشيخ المُسِن ونحن الشباب، كنت تسبقنا دائمًا رؤية وتحليلاً، وتجاوبًا مع الواقع، وحين انكفأنا نلاحق أحلامنا، كنت تقبع على هذا الواقع، دراسة وتحليلًا، وتخرج منه بالعِبَر الجسام .
تباركت يا سيدي في يوم ميلادك، وتبارك جيلك، وأفكارك، ومواقفك. دمت لنا ولمصر نبراسًا يضيء لنا طريق المستقبل .