الخميس 21 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبد الرحيم علي يكتب: مصر بين مخططات واشنطن وحديث المؤامرات

نشر هذا المقال في مواقع البوابة نيوز، السبت ١ ديسمبر ٢٠١٢

نشر
عبد الرحيم علي

من يقرأ المشهد السياسي، اليوم، في مصر، وممارسات الرئيس مرسي وجماعته، لا بد وأن يتوقف أمام عدد من علامات الاستفهام التي تحتاج إلى إيضاح، فرغم التخبط الواضح في قرارات الرئيس، إلا أن هناك إصرارًا وتصميمًا على المضي فيها، ضاربًا عرض الحائط بكل معارضيه ومخالفيه في الرأي، بصورة أدت وتؤدي كل يوم إلى انقسام الوطن إلى فريقين يقاتل كل منهما الآخر، الأمر الذي قد يدفع البلاد إلى أتون حرب أهلية، هذا الإصرار من الرئيس في الاستمرار في ممارساته لا بد وأن يكون وراءه قوة تحمية وتدافع عنه أكبر من جماعته وتنظيمه وميليشياته. 
والحقيقة أن مؤسسة الرئاسة تمارس خطة ممنهجة لرسم سياستها بعد ثورة 25 يناير، تمثلت أبرز ملامحها في الدور الكبير الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة المصرية، من فرض سطوتها وبسط نفوذها على الدولة المصرية، فهي تعتبر شريكًا أساسيًّا في رسم سياسات مصر بعد الثورة على كافة المستويات (الداخلية – الإقليمية – الدولية)، وقد بدأ الترتيب لهذه الخطة منذ أن أطلقت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايز مصطلح الفوضى الخلاقة بمنطقة الشرق الأوسط، وكان التكتيك الأمريكي يهدف لوصول الاتجاه الإسلامي السني لسدة الحكم في معظم الدول العربية بمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما نشاهده يتحقق، اليوم، رأي العين في جميع دول الربيع العربي التي شهدت ثورات. 
هذا التكتيك الأمريكي يقوم على محورين: 
الأول: حماية الأمن القومي الإسرائيلي الذي يحقق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط من خلال التوصل لحل للصراع القائم بين إسرائيل وحركة حماس بقطاع غزة، وبالتالي الوصول لحل نهائي للمشكلة الفلسطينية، وحسم الصراع الإسرائيلي مع جماعة حزب الله. 
والثاني: إيجاد تحالف إسلامي سني على غرار حلف الناتو بمنطقة الشرق الأوسط، تحت قيادة مصر والمملكة العربية السعودية؛ للحدِّ من المد الشيعي والنفوذ الإيراني بالمنطقة، دون دفع أمريكا للتورط في تدخلات عسكرية، على أن يقتصر دور واشنطن على تقديم المساعدات اللوجستية؛ حيث استفادت أمريكا من تجربتها في العراق وأفغانستان، والتي كبدتها خسائر مادية وبشرية باهظة، جعلتها حريصة على عدم التورط في أية عمليات عسكرية خارج بلادها مرة أخرى. 
وكانت جماعة الإخوان المسلمين قد نجحت من خلال اتصالاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، خلال السنوات العشر الأخيرة، في إقناع واشنطن بأن الإخوان هم التيار الأصولي السني الوحيد الذي يمكنه أن يلعب هذا الدور، بما للجماعة من ثقل، ليس على مستوى مصر فقط بل يمتد ليشمل العديد من الدول العربية والإسلامية الأخرى بمنطقة الشرق الأوسط. 
كان لزامًا على الجماعة لتحقيق هدفها أن تحدد موقفها من بعض القضايا التي تشغل اهتمام الرأي العام الأمريكي ودول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يتعلق برؤية الجماعة (للمرأة– الأقباط– الموقف من السلام مع إسرائيل– التعددية الحزبية– الديمقراطية- التداول السلمي للسلطة). 
وبمنهج الحق الذي يراد به باطل، نجحت الجماعة في الوصول إلى تحالف وثيق مع الولايات المتحدة، فمن يقرأ المشهد السياسي، اليوم، يجد أن ثورات دول الربيع العربي أفرزت حكومات إسلامية سنية إخوانية بالأساس، وليس ما يقع في سوريا والأردن من أحداث- تقف جماعة الإخوان خلفها جميعا- ببعيد، إنما يؤكد الدور الذي تلعبه واشنطن في المنطقة بمساعدة حليفتها جماعة الإخوان المسلمين. 
الغريب في الأمر أن معظم بلدان الربيع العربي التي نجحت جماعة الإخوان في الوصول إلى السلطة فيها، لم تشهد أي نوع من أنواع الاستقرار حتى الآن.. سياسيًّا أو أمنيًّا أو اقتصاديًّا أو إجتماعيًّا، بل على العكس، مزيد من الأزمات والانقسامات، التي قد تصل في بعض البلدان إلى حافة الحرب الأهلية، والسبب يرجع إلى وجود تعارض بين مفهوم الاستقرار وفكرة الفوضى الخلاقة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تمثل الهدف الإستراتيجي لواشنطن، الذي سوف يساعدها في إعادة تقسيم دول المنطقة، ورسم خريطة جيوسياسية جديدة لها، والتي تعتبر جماعة الإخوان جزءًا أساسيًّا من آليات تنفيذ ورسم هذه الخريطة، إن لم تكن الجزء الرئيسي. 
إن افتقاد الرئيس ومعاونيه، سواء بمؤسسة الرئاسة أو مكتب الإرشاد للحنكة والخبرة السياسية، وكذا اندفاع جماعة الإخوان باتجاه تنفيذ ما تعتقد أنه مشروع إسلامي طال انتظاره، هو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لممارسة الألاعيب السياسية التي من شأنها الوصول بالبلاد لما نحن فيه الآن، فلقد قرأ صناع الإستراتيجية في واشنطن أفكار الرئيس وجماعته جيدًا، وأدركوا أن الإخوان يعتبرون أن الجماعة فوق الوطن، من خلال عدد من المشاهد المتتالية، منها على سبيل المثال لا الحصر: 
ملاحظة صناع القرار في واشنطن، أن مشاكل المواطن (المشاكل الداخلية) ليس لها الأولوية في أجندة الرئيس، بقدر بحثه عن دور يجب أن يلعبه على المستوى الإقليمي، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو ما أوصل رسالة إلى واشنطن، أن تبدأ اللعب على هذا الوتر، فسمحت للرئيس بأن يلعب هذا الدور من خلال التدخل لوقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل مقابل السماح لها بوضع مجسات على الحدود المصرية الإسرائيلية لمراقبة عمليات تهريب السلاح التي تتم لحركة حماس بقطاع غزة عبر منطقة سيناء، وإن موافقة القيادة السياسية لوضع مجاسات على حدودها الإقليمية مع إسرائيل هو تهديد للأمن القومي المصري (سبق وأن عرضت أمريكا على النظام السابق هذا الأمر وتم رفضه). 
أن هذا المثال، وغيره من الأمثلة، يوضح كيف نجحت أمريكا في قراءة الإخوان جيدًا، إلى الحد الذي باتت معه تمسك بزمام الأمور في البلاد لتدفعه باتجاه فوضى خلاقة تمهد لتقسيم البلاد؛ ضمانًا لأمن إسرائيل مدى الحياة، ثم نجد من يحدثنا عن مؤامرات للمعارضة هنا وهناك، اتقوا الله.. يرحمكم الله!!.