الخميس 21 نوفمبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

في حواره مع عبدالرحيم علي.. المهندس أبو العلا ماضي يقدم تجربته مع جماعة الإخوان المسلمين

نشر
عبد الرحيم علي

 

لأنه الأقرب إلى قلبي فلا أستطيع التحدث عنه كثيراً، ولكنني أشير في عجالة – بحكم ضرورات المهنة – إلى أنه واحد من أفضل شباب الحركة الإسلامية الذين انضموا في وقت مبكر لجماعة الإخوان المسلمين وصنع مع إخوانه من الشباب مجد الجماعة الذي حظيت به في الثمانينيات وطوال نصف عقد التسعينيات إلى أن اصطدم مع قادة الجماعة حول رؤى التجديد التي انتمى إليها منذ البداية، والتي اصطدم برؤية رجال النظام الخاص التي سعت إلى الانغلاق في محاولة للحفاظ على وجودهم المادي والمعنوي، الأمر الذي دفعه إلى تقديم استقالة، والتقدم بطلب بتأسيس حزب "الوسط" في محاولة للتفاعل العملي والحي مع رؤيته التي طالما آمن بها.

 في هذا الحوار يقدم المهندس أبو العلا ماضي تجربته مع الجماعة ويحدد – وفق وجهة نظره – طبيعة وأسباب الأزمة التي يمر بها التنظيم وكيفية الخروج منها عبر تبني مشروع مراجعة شامل يشمل "التاريخ والفكر والحركة".

 المهندس أبو العلا ماضي

وإليكم نص الحوار:.

* مهندس أبو العلا ماضي.. لديكم تجربة كبيرة داخل صفوف الإخوان المسلمين امتدت طوال خمسة عشر عاماً، كيف تقيمون من خلال تجربتكم تلك أزمة الجماعة الحالية؟! 

** بداية نحن التحقنا بجماعة الإخوان عام 1979 تقريباً.. كنا مجموعة صغيرة دخلنا استجابة لنداء إخوة نحترمهم ونعتز بهم ونثق في خيارتهم، وكان على رأس هؤلاء الدكتور "عبد المنعم أبو الفتوح"، وهذه المجموعة الصغيرة هي التي استطاعت أن تجند الشباب بالآلاف داخل تنظيم الإخوان، فقبل دخول هذه المجموعة حاولت قيادات الإخوان "مصطفى مشهور – الله يرحمه – وكمال السنانيرى – الله يرحمه – والدكتور أحمد الملط" وكثيرون آخرون.

فقد حاولوا كثيراً تجنيد عدد من الشباب ولكنهم فشلوا، وكان لدينا تصور أن الجماعة لديها رصيد وخبرة سياسية كبرى، فعمر الجماعة كان قد تجاوز في ذلك الوقت "نصف قرن"، ولكننا فوجئنا بخواء داخلي رهيب، وهذه كانت الصدمة الأولى بالنسبة لنا.

بناء التنظيم: 

    في عام 1982 بدأ البناء الحقيقي لتنظيم الإخوان المسلمين "الجديد"، ومنذ ذلك التاريخ بدأت أهم فترة في تاريخ الإخوان، وقد لعب الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام الأسبق – في هذه الفترة – دوراً محورياً هاماً، فقد جمع الشباب حوله وبدأ يدفع بهم – وفق رؤية سياسية واعية – إلى مجلس الشعب والنقابات، ولم نفهم وقتها لماذا كان التلمساني يحتفي بنا ويحاول الاستقواء بالجيل الشباب إلا بعد فترة طويلة عندما أدركنا أن هناك صراعاً خفياً يدور بين الرجل ورؤيته السياسية القائمة على قاعدة بناء تنظيم سياسي جماهيري علني وبين رؤية – رجال النظام الخاص – الذين يريدون تنظيما سريا لا علاقة له بالسياسة. 

* ماذا كانت وجهة نظرهم أو رؤيتهم في ذلك الوقت؟ 

** أحد الكوارث الأساسية من وجهة نظري أن هؤلاء الناس لم يكن لهم رؤية واضحة آنذاك، كانوا يعيشون حالة من الغموض، فمثلا إذا جاء لهم مجموعة من الشباب المنتمين للمجموعات الإسلامية الجهادية في الصعيد وجلسوا ليتحاوروا معهم يخرجون بانطباع أنهم معمهم في استخدام العنف – شرط ألا يخبروا أحدا بذلك – وإذا جاء مجموعة أخرى بعدها بقليل ينتمون للمجموعات الداعية إلى العمل السلمي سرعان ما يوحون لهم أنهم مع العمل السلمي وضد العنف، ثم يستقبلون جماعة أخرى من أصحاب الأفكار القطبية التي يشتم منها رائحة التكفير، وهكذا أصبحت المقولات المواقف المتناقضة لقادة النظام الخاص داخل الجماعة وسيلة الجمع بين المتنافرين، ولكن السؤال والهدف من تجميع لناس وتجنديهم.. لا أحد يجيبك.

* ألم يعطوا أية إجابات واضحة طوال فترة وجودك داخل الجماعة؟ 

* لقد حضرت لقاءات كثيرة وسمعت إجابات عديدة متناقضة، وهذا ما دعانا إلى تشكيل رؤيتنا التي بدأت منذ عام 1986 ففي هذا العام حدثت متغيرات مهمة جدا أخطرها كان وفاة الأستاذ عمر التلمساني وعودة العديد من قادة الإخوان في الخارج مثل المستشار مأمون الهضيبي الذي لم يكن له أي وجود قبل هذا التاريخ، لدرجة أنني كنت دائما أردد أنه هبط على الجماعة ببراشوت، وكذلك عاد "محمود عزت" أحد أفراد مجموعة 65 – القطبيون – وقد أثرت هذه المتغيرات خاصة بعد سيطرة الحاج مصطفى مشهور – رحمه الله – على مقدرات الجماعة؛ نظرا لمرض الأستاذ حامد أبو النصر لفترة زمنية كبيرة، ثم مجيئه مرشداً بعد ذلك في بيعة المقابر الشهيرة عام 1996.

* ولكن هذه الفترة شهدت دخول مجلس الشعب في 1987 بأكبر عدد من النواب في تاريخ الإخوان "37" كذلك شهدت تلك الفترة انتصارات عديدية في النقابات أهمها ما حدث في المحامين 1992.

** نحن كنا مشغولين فعلاً باستكمال ما بدأناه في العمل النقابي والبرلماني وكان هناك زخم وحركة كثيفة، فبدت المسألة وقتها وكأن الأمور على ما يرام ولكن رجال النظام الخاص كانوا يخططون لشيء آخر.. كنا نحن نجمع الناس من كل مكان وهم يوظفون ذلك كله في عمليات تجنيد لصالح التنظيم في الظاهر، ولكنها في واقع الأمر لصالحهم كقادة للجماعة على خلفية مبدأ السمع والطاعة، ولم نكتشف ذلك إلا عندما بدأ الصدام معهم، ورأينا الخوف والرهبة في عيون إخواننا الذين أحببناهم وأحبونا، ولكننا عندما قمنا بتجنيدهم أخبرناهم أن التنظيم أهم من الأشخاص، ولقناهم مبدأ السمع والطاعة؛ فراحوا يرددون كل تلك المقولات دون أن يعوا أنهم بصدد صراع سياسي بين فريقين وليس خروجا من فريق على مبدأ السمع والطاعة للجماعة أو الأمير. 

* ولكن هناك من يردد أنكم قفزتم من المركب عندما أحسستهم أنها على وشك الغرق، فقد بدأ الصدام مع الدولة عام 1993 بقانون النقابات المهنية المعروف بالقانون (100) ثم جاءت المحاكم العسكرية عام 1995 واستمرت بعد ذلك. 

** نحن لم يخطر ببالنا أن نفكر بهذا الشكل لقد كنا نريد إصلاح الجماعة من الداخل؛ لأننا كنا نؤمن بأن الفكر يمكن تقويمه بدليل أنني قدمت استقالتي عدة مرات من قبل تقديمها بشكل نهائي عام 1996؛ احتجاجا على ممارسات عديدة منها ما حدث في نقابة المحامين عام 1992، فقد كنا ندرك جيداً أنه سيتسبب في مشاكل كبيرة، وأخيراً انتهينا إلى وضع عناوين عريضة أهمها أنه لا يوجد تنظيم في الدنيا يعيش خارج نسق النظام، وأن هذه الطريقة في العمل تولد أمراضا تستعصي على الحل مثل عدم وضوح الأهداف.. فجميعنا على سبيل المثال نريد خدمة الإسلام وتقويته، لكن كيف يترجم هذا الكلام إلى تفاصيل.. مثلا .. هل نحن هدفنا الوصول للسلطة أم المشاركة في الحكم؟ .. هل الإخوان جماعة إصلاحية دعوية ملك للأمة أم هي حزب سياسي.. الاثنان مطلوبان.. ولكن جمعهما في شكل أو جماعة أو تنظيم واحد مستحيل.. هذا شيء له إطار وذاك شيء آخر له إطار مختلف.. 

لقد اكتشفنا بعد تفكير طويل ومواجهة عنيفة داخلية أنه لا توجد أي رؤية مستقبلية، وسأحكي لك قصة توضح ما أقوله: قدم أحد قيادات الإخوان في سوهاج استقالته من الجماعة عقب عودته من رحلة للحج، وعندما ذهبنا له لنسأله لماذا قدم استقالته؟ قال: عندما ذهبت إلى الحج انتهزت فرصة وجودنا في الأماكن المقدسة بعيداً عن التسجيلات والمراقبات وسألت بعض قادة الجماعة ماذا تفعلون وما هو الهدف من وجودنا؟ فلم أجد رداً منهم على سؤالي إلا أن قالوا كيف تسأل بعد وجودك لعشرين عاماً في الجماعة ماذا نفعل؟ هذا المثل يوضح لك حجم الغموض الذي كان موجوداً وما زال داخل الجماعة.

أضف إلى ذلك الوضع الداخلي حيث لا يوجد أي أسلوب للمحاسبة، ولا يوجد أدنى شفافية في الجانب التمويلي لدرجة أن أعلى قيادة في الجماعة كانت لا تعرف شيئا في بعض الأحيان حول بعض بنود صرف الأموال، وعندما كنا نثير هذا الموضوع كانوا يقولون "نحن نعاني من المطاردات الأمنية، ولا يجوز والحال كذلك أن نعلن عن مصادر تمويلنا. 

* وكيف تصرفتم حيال ذلك الوضع؟ 

** وصلنا إلى حل نهائي وهو أن أفضل شيء ممكن عمله هو تطليق السرية إلى غير رجعة، ومحاولة تكوين كيان قانوني علني، وأنسب شيء رأيناه يحقق ذلك هو التقدم برخصة لحزب سياسي، وقد أيقنا أن هذه المجموعة لا يمكن أن توافق أو تؤيد خطوة من هذا النوع؛ لأن قبولها يعني فقدانها لمواقعها التي هي "ليست أهلاً لها". 

* كيف ستفقد مواقعها إن هي وافقت على العلانية وتشكيل حزب سياسي؟ 

** العلانية والحزب معنا هما إجراء انتخابات للقيادة بشكل علني وحر وباقتراع سري ومعناه آليات للمحاسبة وشفافية في التمويل وبنود الصرف، وكل هذا سيدفع بهؤلاء الناس إلى زاوية المشهد، وسينهي سيطرتهم التي يحتفظون بها على خلفية الظروف الأمنية والمطاردات والحفاظ على وحدة التنظيم، إلى آخر تلك المقولات التي يستخدمونها كفزاعة في وجه كل من يطالب بالتغيير. 

الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر

* ولكن كيف ترى سبيل الخروج من الأزمة؟

** يجب قبل الحديث عن كيفية الخروج من الأزمة أن نقدم توصيفا للأزمة وأسبابها، فنحن نعتقد بأن أزمة الإخوان ترجع إلى ما بعد وفاة مؤسسها الإمام "حسن البنا" مباشرة؛ حيث حاول رجال النظام الخاص السيطرة وقتها على مقدرات التنظيم، ونجحوا في الإمساك بزمام الأمور عندما دفعوا الجماعة للصدام مع الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" بتخطيطهم لحادث للمنشية، ومن هنا فالأمر يحتاج إلى مراجعة شاملة تتضمن "التاريخ والحركة والفكر" خاصة بعدما أحكم "منهج" النظام الخاص في العمل قبضته على أسلوب عمل الجماعة بشكل كامل منذ وفاة المرشد الأسبق الأستاذ "التلمساني" – الذي قاوم هذه السيطرة طوال عشر سنوات حتى وفاته عام 1986. 

القيادي الإخواني الراحل “عمر التلمساني”

وتتضمن تلك المراجعة الشاملة ما يلي: 

    أولا: المراجعة التاريخية: وتتضمن دراسة الأخطاء الكبرى، وأهمها إنشاء النظام الخاص والأعمال الإرهابية التي قام بها، وكذا الصدام مع عبد الناصر ومسئولية الجماعة عنه، ومشروعية عودة الجماعة في السبعينيات وطريقة اختيار المرشد وقتها، كذا الطريقة التي اتبعها رجال النظام الخاص في الاستحواذ على القرار داخل الجماعة؛ مما دفع إلى إبعاد عدد كبير من قادة الجماعة التاريخيين، وأخيرا إهدار الفرصة التاريخية التي عرضها عليهم الرئيس السادات حينما طلب منهم إنشاء حزب ورفضوا. 

ثانيًا: المراجعة الحركية: وتتضمن تحديدا دقيقا وحاسما لشكل التنظيم الذي يجب أن تعمل الجماعة من خلاله، وهل هو شكل جماعة دعوية أم حزب سياسي، فالشكل الأول ملك للأمة وناصح أمين لها ومعين على اختياراتها، أما الثاني فمنافس للقوى الموجودة يجب عليه تبني برامج محددة حتى يتاح للأمة حسن تقييمه، ولا يجوز بالطبع الجمع بين الشكلين حيث لا يمكن أن تكون داعياً ناصحاً وفى ذات الوقت منافساً سياسيا شريفا؛   هذا بالإضافة إلى إعادة النظر فيما يطلق عليه التنظيم الدولي وحجم الضرر العائد من ورائه والذي يفوق حجم النفع بكثير.

ثالثا: المراجعة الفكرية: وتشمل مراجعة أفكار قادة الجماعة – بمن فيهم مؤسسها – حول قضايا المرأة والعمل الحزبي والمجتمع الجاهلي واستخدام القوة في التغيير، كذا مراجعة أفكار الجماعة حول المواطنة والتعددية والنظرة إلى السلطة الحاكمة وقضايا قبول الآخر والديمقراطية والمرجعية الإسلامية، وهل ستكون دينية أم حضارية؟.